اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 208
64]
ولهذا فإن المعاملة في المعاد، ستكون وفق
الخصائص التي اكتسبها الإنسان، أو شكل منها طبيعته في المبدأ، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ
اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا
فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا
بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ [الأعراف: 51]
وبناء على هذا، فإن كل المواقف التي ذُكرت في
النصوص المقدسة حول المعاد لا يقصد منها سوى تمييز الأصناف بعضها على بعض، بحيث
ينزل كل صنف المحل المناسب لطبيعته.
وقد عبر هذا المعنى صدر المتألهين بقوله في
تفسير قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ
وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [إبراهيم: 48]:
(إن لجميع الموجودات الطبيعية حركة جوهرية ذاتية، وتحولاً من صورة إلى صورة حتى
يقع لها الرجوع إلى الله بعد صيرورتها غير نفسها، بحسب الصورة السابقة، وتحولها
إلى نشأة أخرى، ولو كانت هذه الطبائع ثابتة الجوهرية مستمرة الهوية، لم تنتقل هذه
الدار إلى دار الآخرة، ولم تتبدل الأرض غير الأرض، ولا السماوات غير السماوات)[1]
وهذا يعني أن الإنسان في مرحلته الأولى أتيح
له أن يرى أنماطا مختلفة من الناس، ومظاهر مختلفة من الحياة، ولكنه ـ بمحض رغبته ـ
اختار نمطا معينا، وحياة معينة، ولذلك كان من مقتضيات العدالة والرحمة الإلهية،
وقوانين المبدأ والمعاد، أن يوفر له عند إعادته كل ما كان يميل إليه، ويرغب فيه.