اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 107
الحقائق،
ويتجلى له ما كان غافلا عنه، ذلك أنه لم يكن يرى سوى عالم الملك، وغافلا عن عالم
الملكوت.. وبعد الموت يظهر له ما كان خافيا عنه من هذا العالم.
وهذان
العالمان لا يمكن للعقل أن ينكرهما، أما عالم الملك، فهو عالم الشهادة الذي نعيشه،
ونرى قوانينه، أما عالم الملكوت، فهو ذلك العالم الخفي الذي لا نتمكن من السفر
إليه أو رؤيته.. ولكنا مع ذلك لا نستطيع أن ننكره.
وكيف
ننكره، ونحن نرى الكثير من المظاهر التي تدل عليه، وأولها النوم، والذي قد نرى فيه
الكثير من العجائب، بل قد نرى فيه المستقبل، أو ما خفي من الأمور.
ولهذا
اعتبر القرآن الكريم النوم نوعا من الموت، فقال: ﴿ الله يَتَوَفَّى
الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ
الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الزمر: 42]
وهكذا
يقر أكثر الفلاسفة والحكماء والأديان على أن هناك من يستطيع أن يدخل في نوع من
الموت الاختياري، والذي يستطيع من خلاله أن يرى من الأشياء ما لا يراه غيره، وهو
ما يعبر عنه بالكشف والمشاهدة.
أو كما
أشار إليه قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا
عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ [ق: 22]
فالآية
الكريمة تشير إلى أن الحجاب بين عالم الملك والملكوت ليس الجسد، وإنما الغفلة،
ولذلك يمكن لمن رفع الغفلة عن قلبه أن يرى الحقائق في الدنيا قبل الآخرة، كما أشار
إلى ذلك ما ورد في الحديث عن الحارث بن مالك الانصاري، قال: مررت بالنبي a
فقال: (كيف أصبحت يا حارث؟) قال: أصبحت مؤمنا حقا. فقال: (انظر
ما تقول؟ فإن لكل شيء حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟) فقال: قد عزفت نفسي عن الدنيا،
وأسهرت لذلك ليلي، واطمأن نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا، وكأني أنظر إلى
أهل الجنة يتزاورون
اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 107