responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : هكذا تكلم لقمان المؤلف : أبو لحية، نور الدين    الجزء : 1  صفحة : 133

والعاقل يا بني هو الذي لا يكتفي بإرهاق جسده في السير في الأرض، والتجول في البلدان، فكل بلاد الله متشابهة، والخلاف بينها يسير، ولكن العاقل هو الذي يسير بعقله ويسيح بروحه في عوالم الملك والملكوت، فيرحل منها إلى تلك العوالم المقدسة التي لا يمكن أن يكتشف حقيقته من دون رحلة عقله إليها.

لقد قال بعض الحكماء يشير إلى ذلك: (لا ترحل من كون إلى كون، فتكون كحمار الرحى يسير، والذي ارتحل إليه هو الذي ارتحل منه، ولكن ارحل من الأكوان إلى المكون)

ولذلك، فإن الحكمة تستدعي السؤال عن سر أي حركة ودافعها وآثارها في النفس وآثارها بعد ذلك على المجتمع، لتحكم بعد ذلك عليها وعلى جدواها ومشروعيتها.. فلا خير في حركة لا ينال صاحبها منها إلا التعب.

ولهذا، فإن الله تعالى يوبخ أولئك الذين يسيرون في الأرض من غير عقول تتدبر، ولا بصائر تتبصر، قال تعالى: { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46]

فهذه الآية الكريمة تعبر عن أكثر ما يفعله قومك فيما يسمونه سياحة، فهم يذهبون إلى المواطن التي تدل على الطغيان والجبروت، وبدل أن تكون لهم عبرة، وأن يتأثروا لحال المستضعفين الذين بنوها، والذين ينتشر عرقهم ودماؤهم تحت كل صخرة من صخورها، تجدهم يلهون ويلعبون ويضحكون.

ولهذا نهى سيد الحكماء رسول الله a عن أن يدخل إلى تلك المناطق من دون تأثر ولا ألم ولا حزن، ففي الحديث، قال a: (لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم ما أصابهم) [1]


[1] رواه مالك الموطأ (2119) و (الحميدي) 653 وأحمد 2/ 9 (4561)

اسم الکتاب : هكذا تكلم لقمان المؤلف : أبو لحية، نور الدين    الجزء : 1  صفحة : 133
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست