اسم الکتاب : هكذا تكلم لقمان المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 132
لكني مع ذلك لا أستطيع أن أطبق كل هذا على ما يفعله
قومك من السياحة، ذلك أن قصد أكثرهم ليس سوى اللهو المجرد، وهو ما قد يصب في الترف
المحض، ذلك أن تلك الأموال الكثيرة التي يصرفونها في سبيل ما يمكنهم الاستغناء عنه
بالكثير من البدائل ترف غير مشروع..
فمن كان قصده من
السياحة الاستجمام والراحة، فيمكنه الذهاب إلى أي شاطئ أو جبل في أي محل قريب منه،
ولا حاجة له لصرف الأموال الكثيرة، والتنقل للمسافات الطويلة في سبيل ذلك.. ولو
فعل ذلك كان مترفا، بل متلفا لماله فيما لا فائدة فيه.
وهكذا، فإن من
زار تلك الآثار التي تركها السابقون، فإن عليه أن يتأثر لما حصل لهم، ويعتبر بهم،
ولا يجعل سياحته مجرد فرجة لا أثر لها في حياته، ولهذا تحض كلمات الله المقدسة على
الاعتبار بتلك المشاهد.. قال تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ
فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [آل
عمران: 137]، وقال: { قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ
عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } [الأنعام: 11]
وبين القرآن
الكريم أن من لطف الله بعباده أن ترك لهم بعض تلك الآثار حتى تكون عبرة لهم،
يستفيدون منها، ولا يقعوا فيما وقع فيه الهالكون من الفساد والإفساد، قال
تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ
أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ
عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ
اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [يوسف: 109]
وهكذا، فإن من
خلت سياحته من العلم والاعتبار والفائدة والاستجمام المباح كان مفسدا ومترفا، ولم
تزده سياحته إلا بعدا عن نفسه، وخسارة لها.
اسم الکتاب : هكذا تكلم لقمان المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 132