قلنا: عرفنا
أصل النار، فحدثنا عن فرعها الأول.. حدثنا عن الحسد[1]، وحدثنا عن الحسود.
قال: الحسد
هو النار التي تختصر هدف صاحبها في الحياة في أن يرى النعم تسلب، والبلايا تنزل.
والحسود هو
المريض الذي لا يحب أن يرى غير المرضى، والمبتلى الذي لا يحب أن يرى إلا أهل
البلاء.
وهو الذي لا ينال
من المجالس إلّا مذمّة وذلّا، ولا ينال من الملائكة إلّا لعنة وبغضا، ولا ينال من
الخلق إلّا جزعا وغمّا، ولا ينال عند النزع إلّا شدّة وهولا، ولا ينال عند الموقف
إلّا فضيحة ونكالا.
وهو الظالم
الذي يشبه المظلومين.. فهو في نفس دائم، وهمّ لازم، وقلب هائم.
وهو الذي
وصفه الشاعر، فقال:
إنّ
الحسود الظّلوم في كرب
ذا نفس دائم على نفـــــــس
يخاله من يراه مظلوما
يظهر منها ما كان مكتوما
وهو الذي
وصفه الآخر، فقال:
إنّي
لأرحم حاسدي من حرّ ما
نظروا صنيع اللّه بي فعيونهــم
ضمّت صدورهم من الأوغار
في جنّة وقلوبهم في النــــــــــار
قال رجل منا:
عد بنا من الوصف إلى التحقيق.. فما حقيقة الحسد؟
[1]
عرفه الجرجانيّ بقوله: (الحسد تمنّي زوال نعمة المحسود إلى الحاسد)، وقال الجاحظ:
(الحسد: هو التألّم بما يراه الإنسان لغيره وما يجده فيه من الفضائل، والاجتهاد في
إعدام ذلك الغير ما هو له، وهو خلق مكروه وقبيح بكلّ أحد)، وقال الماورديّ: (حقيقة
الحسد: شدّة الأسى على الخيرات تكون للنّاس الأفاضل)، وقال المناويّ: (الحسد:
تمنّي زوال نعمة عن مستحقّ لها، وقيل: هو ظلم ذي النعمة بتمنّي زوالها عنه
وصيرورتها إلى الحاسد)، وقال الراغب: (الحسد تمنّي زوال نعمة من مستحقّ لها،
وربّما كان مع ذلك سعي في إزالتها)