بعد أن
انتهينا من الدراسة في القسم السادس، وبعد أن رأيت تأثير التعاليم التي بثها ابن
حزم في نفوس السامعين، سرت مع أهل السوق إلى القسم السابع، وكان اسمه (قسم
العدوان)، وقد عرفنا أن شيخه رجل يقال له (أبو الحسن الماوردي)[1]، وقد علمنا أن له كتابات مهمة في علم الأخلاق مثل (أدب الدنيا والدين)،
و(نصيحة الملوك)، و(تسهيل النظر وتعجيل الظفر)
وقد صادف
دخولنا عليه أن رأيناه في غرفة مظلمة لا نكاد نرى فيها شيئا، وقد أحاط به جمع قد
أغلقوا أعينهم، واستغرقوا في حديثه استغراقا تاما، وكأنهم يبصرونه ولا يسمعونه،
ولذلك لم يفطوا لكل تلك الجلبة التي أحدثناها بدخولنا..
[1]
أشير به إلى علي بن محمد بن حبيب، أبي الحسن البصري ثم البغدادي، الماوَرْدي (364
ـ 450 هـ)، المُلَقّب بـ (أقضى القضاة)، ولي القضاء ببلدان شتّى، ثم سكن بغداد،
وكان من وجوه فقهاء الشافعية، وللماوردي مصنّفات في الفقه والاَُصول والتفسير
والاَدب، منها: الحاوي، النكت في تفسير القرآن، الاَحكام السلطانية، الاقناع،
مختصر في الفقه، أعلام النبوّة، أدب الدنيا والدين، وقد اخترناه هنا لأجل كتبه في
الأخلاق التي ذكرناها في المتن.
[2]
ذكر أبو حامد الغزالي هذه الموعظة المطولة في كتاب ذكر الموت من إحياء علوم الدين،
وقد نقلناها هنا بالتصرف الذي ألفناه في هذه السلسلة.