اسم الکتاب : أسرار الأقدار المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 500
وعبر عنه بعضهم عندما
سئل:(أيما أفضل للرجل أن يمكن أو يبتلى؟)، فقال: (لا يمكن حتى يبتلى، فإن الله
ابتلى نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ فلما
صبروا مكنهم)
فالله تعالى ـ
بحكمته المطلقة ـ يربي عباده الصالحين الذين جعلهم وسائط للهداية والرحمة بينه
وبين خلقه بأنواع البلاء المتناسب مع نوع الرسالة التي يكلفون بها.
ومثل ذلك مثل من
يريد تعلم صناعة معينة، فإنه يحتاج إلى التدريب الذي يتناسب مع تلك الصناعة، فإن
نجح فيه أهل ومكن من صناعته، وإن لم ينجح طرد وأبعد عنها.
وقد ضرب الله تعالى
الأمثلة القرآنية الكثيرة على ذلك، ولعل أوضحها ما حكاه عن نبيين كريمين هما يوسف
وموسى ـ عليهما السلام ـ فإن الله تعالى دربهما بصنوف البلاء ليتمكنا من أداء
الوظيفة التي كلفا بها.
الجواب
الرابع:
هو أن العارفين
الذين يعتبرون أفعال الله تعالى فيهم وفي غيرهم رسائل رحمة ومودة لا يفهمون من تلك
الأنات والبلايا إلا أنها حروف من الله تشهدهم وجود فاقتهم، وتشعرهم بحقيقتهم،
لتشغلهم بالله عن أنفسهم، قال ابن عطاء الله:( خير أوقاتك وقت تشهد فيه وجود
فاقتك، وترد فيه إلى وجود ذِلتك)، ولهذا يقال:( أوقات الفاقات أعياد المريدين)
وقد أشار إلى هذا
المعنى ابن عطاء الله في الحكمة الأخرى بقوله:( فاقتك لك ذاتية، وورود الأسباب
مذكرات لك بما خفي عليك منها، والفاقة الذاتية لا ترفعها العوارض)
أي أنه إذا علم
العبد أن العدم سابق على وجوده، وأن وجوده مفتقر إلى المدد في كل وقت، وإلا تلاشى
وانعدم، علم أن فاقته ذاتية وأن الاضطرار لازم لوجوده، وأن ورود
اسم الکتاب : أسرار الأقدار المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 500