بل أخبر أن هذا
الابتلاء المزلزل الذي محص به الصحابة هو سنة الله تعالى مع الرسل ـ عليهم السلام
ـ وأتباعهم، كما حكى الله تعالى عن النماذج الكثيرة من الأنبياء ـ عليهم السلام ـ
وما حصل لهم مع أقوامهم، كما قال تعالى
على لسان فرعون مخاطبا السحرة الذين اتبعوا موسى u:﴿ آمَنْتُمْ
لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ
فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ
فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى﴾ (طـه:71)
وهذا البلاء قد
يكون من الأقوام لأنبيائهم والدعاة المكلفين بتبليغهم، كما حكى الله تعالى عن فعل
فرعون بالسحرة.
وقد يكون من الله
تعالى، للتمحيص، ولبيان رفعة الدرجة، وأن الابتلاء لا يتنافى مع النبوة، وذلك مثل
ما حصل لأيوب u، قال تعالى:﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ
الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾
(الانبياء:83)، وقال تعالى:﴿
وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ
بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ (صّ:41)
فإن أيوب u استقبل كل أنواع البلاء بصدر رحب لم يتزعزع قيد أنملة عن
محبة ربه وإيثاره، بل إنه في ثنايا ذلك البلاء كان مستغرقا في رحمة الله، فلذلك
قال في دعائه:﴿ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾،
وكان متأدبا مع ربه، فلم ينسب البلاء إليه، بل قال:﴿ أَنِّي
مَسَّنِيَ الضُّرُّ ﴾ وقال:﴿
أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ
وَعَذَابٍ ﴾
وقد جمع الله كلا
النوعين من البلاء لإبراهيم u، فإنه من جهة قومه أوذي
إيذاء عظيما، كما قال تعالى:﴿ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا
اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ ﴾ (العنكبوت: 24)، وقال تعالى:﴿ قَالُوا
حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ (الانبياء:68)، بل
اسم الکتاب : أسرار الأقدار المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 497