وانطلاقا
من هذه الأوصاف الدالة على خبرة الله بكل شيء، وهي التي يتأسس عليها سر التوحيد في
القدر، يخبرنا القرآن الكريم عن علم الله بالمستقبل، وهو العلم الذي يجادل فيه
المنكرون للقدر شعروا أو لم يشعروا.
فالله تعالى أخبرنا بما سيكون من الممكنات لو كان
على غير الصورة التي كان عليها:
فأخبر عن مقولة الكفار
الذين لم يرضهم أن يكون الرسول a بشرا مثلهم، قال تعالى حاكيا قولهم:﴿ وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا
مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ﴾
(الأنعام:8)، ثم قال بعدها مبينا الحال لو كان الرسول ملكا:﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً
لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾ (الأنعام:9)
وعلى عكس هذا أخبر
القرآن الكريم عن مقولة الكفار المجادلين فيما لو كان الأمر على خلاف ما بعث لهم،
فقال تعالى عن قولهم لو كان القرآن الكريم أعجميا:﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً
أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ
هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي
آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ
بَعِيدٍ﴾ (فصلت:44)
وهكذا لو كان رسولهم
أعجميا لاعتلوا بعلة عجمته:﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ
عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ﴾ (الشعراء:198 ـ199)
وقال تعالى فيما لو نزل
عليهم في كتاب فعاينوه ورأوا نزوله وباشروا ذلك:﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَا
عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ (الأنعام:7)
ومثل هذا أخبر عن قولهم
في مكابرتهم للمحسوسات:﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ
السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ
أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ﴾ (الحجر:14 ـ 15)
وهكذا قولهم في سائر
آيات الله التي يزعمون أنها لو جاءت لآمنوا بها، قال تعالى:﴿ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ
أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا
الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَ