اسم الکتاب : أسرار الأقدار المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 164
1 ـ قدرة الله:
لله تعالى أسماء الله كثيرة تقتضي انفراده التام بالخلق.. وقد مر
معنا منها أسماء (الخالق البارئ المصور)، وما في معناها.
وهذه الأسماء جميعا تدل
على أن كل ما في الكون من شيء هو من خلق الله سواء كان ذواتا أو أعيانا قائمة
بذاتها، أو كان أحداثا تقوم بها تلك الأعيان.
وقد يستدل لهذا الجمع
بين خلق الخلق وخلق الأعمال التي يقوم بها الخلق بقوله تعالى حكاية عن خليله u
أنه قال لقومه:﴿ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ (الصافات:95 ـ 96)
فالآية تدل باحتمالاتها
المختلفة على أن الله تعالى هو
الخالق لأفعال العباد، فإن (ما) في قوله تعالى:﴿ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ إن كانت مصدرية، أي خلقكم وأعمالكم
فالاستدلال ظاهر، وإن لم يكن قويا إذ لا تناسب بين إنكاره عليهم عبادة ما ينحتونه
بأيديهم وبين إخبارهم بأن الله خالق أعمالهم من عبادة تلك الآلهة ونحتها وغير ذلك[1].
[1] هذه أشهر آية استدل بها على خلق أفعال العباد،
ولكنها مع ذلك فيها من وجوه المعارضة ما يمنع الاستدلال بها، حتى قال الفخر الرازي
بعد ذكر وجوه المعارضة:( واعلم أن هذه السؤالات قوية وفي دلائلنا كثيرة، فالأولى
ترك الاستدلال بهذه الآية والله أعلم)
ومن وجوه الاعتراض:
1. أنه تعالى أضاف العبادة والنحت إليهم إضافة الفعل إلى الفاعل، ولو كان
ذلك واقعاً بتخليق الله لاستحال كونه فعلاً للعبد.
2. أنه تعالى إنما ذكر هذه الآية توبيخاً لهم على عبادة الأصنام، لأنه
تعالى بين أنه خالقهم وخالق لتلك الأصنام والخالق هو المستحق للعبادة دون المخلوق،
فلما تركوا عبادته سبحانه وهو خالقهم وعبدوا اوصنام لا جرم أنه سبحانه وتعالى
وبخهم على هذا الخطأ العظيم فقال: ﴿ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ
(95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)﴾ (الصافات)، ولو لم
يكونوا فاعلين لأفعالهم لما جاز توخبيهم.
3. أن اعتبار لفظة ما مع ما بعدها في تقدير المصدر ممنوع، وبيانه أن
سيبويه والأخفش اختلفا في أنه هل يجوز أن يقال أعجبني ما قمت أي قيامك فجوزه
سيبويه، ومنعه الأخفش وزعم أن هذا لا يجوز إلا في الفعل المتعدي، وذك يدل على أن
ما مع ما بعدها في تقدير المفعول عند الأخفش.
4. أن المراد بقوله: (ما تنحتون) المنحوت لا النحت لأنهم ما عبدوا النحت
وإنما عبدوا المنحوت فوجب أن يكون المراد بقوله: (ما تعملون) المعمول لا العمل حتى
يكون كل واحد من هذين اللفظين على وفق الآخر،وذلك مثل قوله تعالى:﴿ فَإِذَا
هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ﴾ (الشعراء: 45)، فليس المراد أنها تلقف نفس
الإفك بل أراد العصي والجبال التي هي متعلقات ذلك الإفك.
5. أن العرب تسمي محل العمل عملاً يقال في الباب والخاتم هذا عمل فلان
والمراد محل عمله.
6. أن المقصود في هذه الآية تزييف مذهبهم في عبادة الأصنام، لا بيان أنهم
لا يوجدون إفعال أنفسهم، لأن الذي جرى ذكره في أول الآية إلى هذا الموضع هو مسألة
عبادة الأصنام لا خلق الأعمال.
اسم الکتاب : أسرار الأقدار المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 164