اسم الکتاب : أسرار الأقدار المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 163
وحين يخلص القلب من
الشعور بغير الحقيقة الواحدة، ومن التعلق بغير هذه الحقيقة.. فعندئذ يتحرر من جميع
القيود، وينطلق من كل الاوهاق.. يتحرر من الرغبة، وهي أصل قيود كثيرة، ويتحرر من
الرهبة وهي أصل قيود كثيرة.
وفيم يرغب وهو لا
يفقد شيئاً متى وجد الله؟ ومن ذا يرهب ولا وجود لفاعلية إلا لله؟
ومتى استقر هذا
التصور الذي لا يرى في الوجود إلا حقيقة الله، فستصحبه رؤية هذه الحقيقة في كل
وجود آخر انبثق عنها، وهذه درجة يرى فيها القلب يد الله في كل شيء يراه.
ووراءها الدرجة
التي لا يرى فيها شيئاً في الكون إلا الله، لأنه لا حقيقة هناك يراها إلا حقيقة
الله.
كذلك سيصحبه نفي
فاعلية الأسباب، ورد كل شيء وكل حدث وكل حركة إلى السبب الأول الذي منه صدرت، وبه
تأثرت.
وما ذكره سيد ـ
رحمه الله ـ وما ذكره مثله كل العارفين.. ليس شطحات صوفية.. وليس ناتجا عن تأثر
بهنود أو روم أو فرس.. وليس خيالا جامحا.. وليس وحيا شيطانيا..
بل هو كلام مقدس
تنزيل من حكيم حميد.. فالله تعالى أخبر في القرآن أنه الفاعل الوحيد في الكون..
كما أنه المريد الوحيد.. حتى ما نحسبه أفعالا لنا هو في حقيقته تنفيذ إلهي، قال
تعالى:﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ
إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً
حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (لأنفال:17)
بعد هذه المقدمة
التي استعجلنا فيها بذكر أثر هذا السر من أسرار التوحيد في القدر.. سنتحدث في هذا
المبحث عن كلا القدرتين.. قدرة الله.. وقدرة العبد.. لنميز محل كل منهما.. فلا
يمكن أن يفهم سر التوحيد في القدر بغير هذا.
اسم الکتاب : أسرار الأقدار المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 163