وقد
أخبرت النصوص أن الكائنات تنزه الله بحسب أحوالها، وأنواعها، فلكل مخلوق تسبيحه
الخاص به، والذي قد لا يفقهه غيره ممن لم يذق ذوقه، أو يمر بتجربته.
ولذلك
نفى الله تعالى عن أكثر الخلق إمكانية فقه هذه التسابيح التي يعج بها الكون، قال تعالى:﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ
تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً﴾ (الاسراء:44)
وعدم
الفقه والتصور لا يعني في المنهج العلمي السليم إنكار ما لم يتمكن من فقهه أو
تصوره، كما قال تعالى:﴿
وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ
وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ (الاسراء:36)
فمن
أنكر ما لم يقف على سره وحقيقته كان مقتفيا ما ليس له به علم.
ومن
الأخطاء في هذا، والناشئة من اقتفاء سبيل العقل المجرد عن نور الوحي، الزعم بأن
المراد بالتسبيح مجرد تسبيح الدلالة، وقد رددنا على ذلك من قبل، وقد أفاض العلماء
والربانيون في الرد على ذلك، فهو يسلب الكون خاصية مهمة من خصائصه، ويرفع عنه
جلبابا من جلابيب الجمال التي كساه الله به.
وحسبنا
من الرد، ونفي الشبهة هنا أن الله أخبر عن التسبيح الخاص للأشياء بوقت دون وقت،
كالعشى والاشراق، كما قال تعالى:﴿ إِنَّا سَخَّرْنَا
الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْأِشْرَاقِ﴾ (صّ:18)، فهل
المراد بذلك أن دلالتها على خالقها