قال: ولهذا، فإن المتوسمين من عباد الله يستدلون بوجود
الفاقات على قرب الصدقات، لأن الفاقة تحقق صاحبها بالافتقار، والافتقار يؤهل صاحبه
للفضل.
قلت: فالفاقات إذن رسائل رحمة؟
قال: هذا ما يفهمه العارفون منها، فهم يعتبرون أفعال الله تعالى فيهم وفي غيرهم رسائل رحمة ومودة..
ولا يفهمون من تلك الأنات والبلايا إلا أنها حروف من الله تشهدهم وجود فاقتهم،
وتشعرهم بحقيقتهم، لتشغلهم بالله عن أنفسهم.
قلت: لقد أشار ابن عطاء الله إلى هذا فقال: (خير أوقاتك
وقت تشهد فيه وجود فاقتك، وترد فيه إلى وجود ذِلتك)
وأشار إلى هذا المعنى في الحكمة الأخرى بقوله: (فاقتك لك
ذاتية، وورود الأسباب مذكرات لك بما خفي عليك منها، والفاقة الذاتية لا ترفعها
العوارض)
قال: نعم، فإنه إذا علم العبد أن العدم سابق على وجوده،
وأن وجوده مفتقر إلى المدد في كل وقت، وإلا تلاشى وانعدم، علم أن فاقته ذاتية، وأن
الاضطرار لازم لوجوده، وأن ورود العلل المختلفة من الفقر والمرض مذكرات له بما خفي
عليك من الفاقة الذاتية، فإن غالب الناس يغفلون عن الفاقة الذاتية إذا دامت عليهم
صحة أبدانهم وكثرة أموالهم.
اسم الکتاب : ابتسامة الأنين المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 67