وهي
جميعا تنبع من أربعة منابع كبرى.. أولها الحسد الذي (يأكل الحسنات كما تأكل النار
الحطب)([835]).. فكل الحسنات التي تنبت من العلاقات الطيبة
بين المتحاورين تأكلها نار الحسد.. وسر ذلك أن المحاور تارة يغلب وتارة يُغلب،
وتارة يحمد كلامه وأخرى يحمد كلام غيره.. وهو لذلك إن حمد كلامه امتلأ إعجابا
بنفسه.. وإن حمد كلام غيره امتلأ حسدا وحقدا.. فهو لذلك يتمنى زوال النعم عنه
وانصراف القلوب والوجوه عنه إليه، ولهذا قال ابن عباس:(خذوا العلم حيث وجدتموه،
ولا تقبلوا قول الفقهاء بعضهم على بعض فإنهم يتغايرون كما تتغاير التيوس في
الزريبة)
وثانيها
الكبر، وينشأ من اعتقاد المحاور لغلبته وتفضله على مخالفه، فلا ينفك (عن التكبر
على الأقران والأمثال والترفع إلى فوق قدره.. وربما يتعلل الغبـي والمكار الخداع
منهم بأنه يبغي صيانة عز العلم، وأن المؤمن منهيٌّ عن الإذلال لنفسه، فيعبر عن
التواضع الذي أثنى الله عليه وسائر أنبـيائه بالذل، وعن التكبر الممقوت عند الله
بعز الدين تحريفاً للاسم وإضلالاً للخلق به)
وثالثها الرياء، وهو اشتغال النفس برؤية نفسها عن رؤية
الحق أو الدفاع عنه أو الدعوة إليه.. ومحال أن يتجلى الحق والنفس في مرآة واحدة.
ورابعها
البغي، ذلك أن من امتلأت نفسه بالحسد والكبر والإعجاب بالنفس والتباهي بها لن ينظر
إلى غيره إلا بعين البغي والظلم والعدوان.. فلذلك تجده في حواره كسبع ضار ليس له
من هم إلا افتراس فريسته، وقد ذكر القرآن الكريم كيف يقف البغي