وبذلك؛
فإن الجدال والمراء نابع من ذلك العجب والغرور الذي يوهم النفس أنها تعرف الحقائق
مع أنها خالية عنها، ولذلك تضع الموازين التي تشاء، وتحكم بها على ما تشاء من غير
رجوع إلى الثوابت التي تميز بها الأشياء، ولذلك ذكر الله تعالى افتقار المجادل إلى
ثلاثة أشياء: العلم والهدى والكتاب المنير..
ولذلك
يلجأ بدلها إلى نفسه ومزاجه وهواه ليحكم على كل شيء من خلاله، فما أعجبه، فهو
الحقيقة التي يجادل عنها، وما لم يعجبه فهو الباطل الذي يرفضه، ويتولد من ذلك ثلاثة
مثالب:
أولها المراء،
وهو الطعن الذي لا يهدف إلا إلى إسقاط
المتحدث، لتحقيره وإظهار الخلل في حديثه([829])،
وإليه الإشارة بقوله a: وقال:
(أنا زعيم ببيت في ربض الجنة، وببيت
[829] أقرب
المعاني إلى هذا المغالطة التي يطلق عليها [الشخصنة] أو [القدح الشخصي]، وهو صنف
شائع من المغالطات، بحيث أن الدعوى أو الحجة تكون خاطئة، بسبب معلومات (عيوب)
متعلقة بالكاتب أو بالشخص الذي يعرض هذه الدعوى، وليس بالدعوى نفسها.
وفي
العادة تتخذ هذه المغالطة خطوتان: الأولى، هي هجوم على الشخص الذي يتبنى الدعوى
بسبب ظروفه أو أفعاله أو أي شيء متعلق بشخصيته.. الثانية، يتم تمديد الهجوم ليكون
دليلا ضد الدعوى أو الحجة.
وهذا
النوع من المغالطة يسير بالنحو التالي:
شخص (أ) يطرح دعوى (س).
شخص (أ) يتسم بالعيب (ك).
العيب (ك) هو في المدعي (أ)
وليس في الدعوى (س).
إذن، دعوى (س) خاطئة.
السبب في كون [الهجوم على
الشخص] يعتبر مغالطة، هي أن الشخصية، أو الظروف أو أفعال الشخص، لا علاقة لها بصحة
أو بخطأ الدعوى المطروحة، فحقيقة أن [1+1=2] لا تختلف إطلاقا مهما كان قائلها
لأنها لا تعتمد على الشخص.
اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 479