ومثّله a حين كان
يوصي بأهل الذمة والمستأمنين وسائر المعاهدين، ويدعو إلى مراعاة حقوقهم، والإحسان
إليهم، وينهى عن إيذائهم؛ فيقول: (ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته
أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفسٍ فأنا حجيجه ـ أي أنا الذي أخاصمه وأحاجه ـ يوم
القيامة)([763])، ويقول: (من قتل معاهدا
لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما)([764])
لكن كل هذا لا يعني ـ أيها المريد الصادق ـ أن نسكت عن نصيحتهم
وتوجيههم وحوارهم ومناظرتهم؛ فاحترامنا لمقدسات الآخر لا تعني سكوتنا عليها، أو
اعتبارها وجهة نظر، بل علينا أن ندعو إلى تصحيحها، ونستعمل كل الحجج لأجل ذلك، كما
علمنا ربنا عند حديثه عن الذين ضلوا من أهل الكتاب وأسباب ضلالهم، والردود العقلية
القوية على ذلك.
فمن الخداع لهم أن نعتبر ما يقعون فيه من الضلالة هداية، أو
نقرهم على ذلك، مع أن الله تعالى أخبر بأنهم انحرفوا بذلك انحرافا خطيرا، قال
تعالى: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ
وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا
يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾
[المائدة: 73]، فالله تعالى اعتبر القائلين بذلك كفارا، وتوعدهم بالعذاب الشديد،
ومن احترامنا لكلام الله أن نردد ما قاله، لا أن نناقضه، ونخالفه، ونخدع بذلك
أنفسنا، ونخدع قبل ذلك أولئك الذين كان علينا أن ننصحهم، لا أن نجاملهم.