responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين    الجزء : 1  صفحة : 417

وباليوم الآخر، وبحقيقة الحياة، وبدور الإنسان فيها؛ فهذه الحقائق كلها هي التي تهذب النفس، وتزرع فيها كل المكارم، وتنفي عنها كل الرذائل والمثالب.

ولهذا كان أكثر الناس معرفة بالله أكثرهم كرما، لعلمهم بأن كل فضل أو رزق من الله تعالى، وليس من عندهم، ولا بحيلتهم، فلذلك لا يثقون في خزائنهم بقدر ثقتهم في الله، كما عبر عن ذلك رسول الله a بقوله: (الزهادة في الدنيا ليست بتحريم الحلال، ولا إضاعة المال، ولكن الزهادة في الدنيا أن لا تكون بما في يديك أوثق مما في يد الله، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أنت أصبت بها أرغب فيها لو أنها بقيت لك)([717])

وقد روي في الحديث أن رسول الله a دخل على بلال، وعنده صُبرة من تمرٍ، فقال: ما هذا يا بلال؟ قال: يا رسول الله ادّخرته لك ولضيفانك، فقال: (أما تخشى أن يكون له بخار في النار؟ أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالاً)

فهذا الحديث يشير إلى أن رسول الله a كان ينظر إلى ما عند الله من الفضل العظيم الذي لا حدود له، فلذلك صارت تلك الصبرة لا تساوي شيئا بالنسبة له..

وهكذا؛ فإن المعرفة بحقيقة المال، وكونه مجرد عرض زائل، وأن الغرض منه أن يكون وسيلة فقط، لا هدفا مقصودا، يساهم كثيرا في نزع الحرص عليه؛ ذلك أنه قد يصبح سببا لعذاب كبير، وآلام كثيرة، كما قال تعالى: ﴿فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ [التوبة: 55]

ومما يروى في هذا أنه حمل إلى بعض الملوك قدح من فيروزج مرصّع بالجواهر لم ير له نظير، ففرح الملك بذلك فرحا شديدا، فقال لبعض الحكماء عنده: كيف ترى هذا؟ قال: أراه مصيبة أو فقرا، قال: كيف؟ قال: إن كسر صارت مصيبة لا جبر لها، وإن سرق صرت


[717] رواه الترمذي.

اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين    الجزء : 1  صفحة : 417
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست