اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 414
وهذا الحال النفسي الذي حال بين أقوام الأنبياء وأنبيائهم هو
نفسه الذي حال بين أهل الحق وأهل الباطل والغفلة في كل العصور، ذلك أنهم قبل أن
يسمعوا للحقائق، ينظرون إلى أحوال الداعين لها، ومدى ثرائهم.
بل إن القرآن الكريم يخبر أن السبب الأكبر في تحريف الأديان
هو ذلك الحرص والجشع الذي حول الدين إلى تجارة، فتحول رجال الدين من وظيفة الهداية
إلى وظيفة الجباية، ومن هداة إلى الله إلى لصوص باسم الله، كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ
كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ
بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [التوبة: 34]
بل إن الحرص بلغ بهم ما هو أعظم من ذلك، حيث أنهم كانوا
يكتمون الحقائق، ويحرفونها، حتى تتناسب مع نفوسهم الجشعة، قال تعالى: ﴿
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا
مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا
كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ﴾ [البقرة: 79]،
وقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ
وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ
إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا
يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا
الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى
النَّارِ ﴾ [البقرة: 174، 175]
وهكذا كان الحرص والبخل منبعا لأكثر الرذائل والانحرافات التي
حصلت للمجتمعات البشرية في جميع العصور، كما أخبر رسول الله a عن ذلك،
فقال: (اتقوا الظّلم فإنّ الظّلم ظلمات
يوم القيامة، واتّقوا الشّحّ فإنّ الشّحّ أهلك من كان قبلكم. حملهم على أن سفكوا
دماءهم واستحلّوا محارمهم)([710])
فقد قرن رسول الله a بين
البخل والظلم، وبين أن الشح هو السبب في الحروب