اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 343
ولذلك تربط النصوص المقدسة بين الظلم
وكل الجرائم، وتعتبرها نابعة منه، وثمرة من ثماره الخبيثة، ولذلك كان أحسن وصف
للظلم هو كونه ظلمات، كما عبر رسول الله a عن ذلك، فقال: (اتقوا الظّلم
فإنّ الظّلم ظلمات يوم القيامة، واتّقوا الشّحّ فإنّ الشّحّ أهلك من كان قبلكم.
حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلّوا محارمهم)([533])
ذلك أن الظلم هو الذي يجعل البصيرة في
ظلام دامس لا ترى الواقع بصورته الحقيقية؛ فلذلك تلتبس على صاحبها الأمور، ويخلط
في كل شيء.
إذا عرفت هذا ـ أيها المريد الصادق ـ
فاسع لاستعمال هذه الأدوية التي سأصفها لك، والتي وصفها لنا ربنا في صيدليته
المقدسة صيدلية القرآن الكريم الذي جعله الله شفاء من كل الأدواء، ومطهرا للنفس من
كل المثالب.
العلاج المعرفي:
وأول الأدوية التي تحفظك من هذا المثلب
الخطير وما ارتبط به تأملك لما ورد في القرآن الكريم حول الظلم وما ينتج عنه من ثمار،
وما يحيق بصاحبه من العقوبة.. ذلك أن الظلم قد يبدأ صغيرا، ثم يكبر، ويستشري في
النفس إلى أن يحولها عن حقيقتها؛ فيخسر صاحبها نفسه خسارة أبدية، لا يمكن أن تعوض.
ولذلك فإن أول عاقبة للظالم هو خسارة
نفسه، كما قال تعالى عن بني إسرائيل الذي أنعم الله عليهم أصناف النعم الحسية
والمعنوية، وبدل أن يضعوا تلك النعم في مواضعها المناسبة لها، راحوا يغيرون
ويبدلون، وهم يتوهمون أنهم يخادعون الله، قال تعالى: ﴿ وَظَلَّلْنَا
عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا
مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا
أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [البقرة: 57]