وقد قال بعض الصالحين: (كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة أن
نقع في الحرام)، وقال آخر: (إن من تمام التقوى أن يتقي العبد في مثال ذرة حتى يترك
بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما حتى يكون حجابا بينه وبين النار) ([182])
واعلم ـ أيها المريد الصادق ـ أنك قد تحتاج أحيانا إلى بعض
الرياضة التي تهذب بها نفسك، حتى لا تدمن على الشهوات، وتصبح أسيرة لها، كما وردت
الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى:﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ
قَالَ إِنَّ الله مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي
وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ
فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ﴾ [البقرة: 249]
فهذه الآية الكريمة تشير إلى قوة أولئك الذين أذعنوا لقول طالوت،
واستجابوا له، فلم يشربوا الماء مع حاجتهم إليه، أو اكتفوا منه بما سمح لهم به..
وقد رأى طالوت أن هؤلاء هم الذين يمكنهم الثبات في المعركة.. ذلك أن الذي لا يملك
نفسه عند الماء، لا يمكنه أن يملكها عند مواجهة العدو.
ومن هذا الباب ـ أيها المريد الصادق ـ شرع لنا ربنا الصوم
الذي نترك به بعض الشهوات، وندرب أنفسنا على الصبر عليها، حتى تحصل لنا التقوى
الحقيقية بسبب ذلك، وقد قال تعالى مبينا مقاصد الصوم: ﴿ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]
ولهذا كان تأديب الله تعالى للذين تعمدوا الإفطار في رمضان
رعاية لشهواتهم، بأن