responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين    الجزء : 1  صفحة : 159

رب! قدمني إلى هذه الشجرة فأكون في ظلها وآكل من ثمرها، فقال الله تعالى له: هل عسيت إن أعطيتك ذلك أن تسألني غيره؟ فيقول: لا وعزتك! فيقدمه الله إليها.. فيبرز له باب الجنة فيقول: أي رب! قدمني إلى باب الجنة فأكون تحت نجاف الجنة فأرى أهلها، فيقدمه الله إليها فيرى الجنة وما فيها فيقول: أي رب أدخلني الجنة! فيدخله الجنة، فإذا دخل الجنة قال: هذا لي؟ فيقول الله تعالى له: تمن! فيتمنى، ويذكره الله عز وجل: سل من كذا وكذا، حتى إذا انقطعت به الأماني قال الله تعالى: هو لك وعشرة أمثاله) ([178])

فإذا علم محب الشهوات ذلك، لم يكتف بتلك الصلاة التي يؤديها، ولا العبادات التي يدمن عليها، وإنما يذهب إلى كل ما حرمته الشريعة عليه، ليحرمه على نفسه، حتى لا يبيع سعادة الأبد بلذات مشبوهة مملوءة بالغصص.

فإذا فعل ذلك، لم تستعبده الشهوات، وإنما تصير أسيرة بين يديه، يتناول منها ما ينفعه، ويبتعد عما يضره، ذلك أن عقله صار هو المسيطر على هواه.. وصار حاله مثل المريض صاحب الحمية، حين يكتشف أن طعاما معينا قد يؤثر في صحته، فيسرع، ويحرم نفسه منه، ويلتذ بذلك الحرمان، لأنه يعلم أن نهايته الصحة والسعادة.

وبذلك لن يكون مصداقا لتلك الآية الكريمة التي ذكرت الميل العظيم الذي يحصل لأتباع الشهوات.. ذلك أن سبب ذلك الميل العظيم هو إبعاد العقل والفطرة السليمة، وهو ما يجر إلى الانتكاسة العظيمة التي يخرج بها الإنسان عن إنسانيته، حين يذعن للشهوات ومطالبها التي لا تنتهي.

واعلم ـ أيها المريد الصادق ـ بعد كل هذا أن الله تعالى ما خلق الشهوات لنتنعم بها، أو لنستدل بها عليه فقط، وإنما خلقها ليميز بين من يريدونه، ومن يريدونها، ومن يعبدونه


[178] رواه أحمد.

اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين    الجزء : 1  صفحة : 159
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست