اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 143
حب المدح
كتبت إلي ـ أيها المريد الصادق ـ
تسألني عن تلك النشوة التي اعترتك، والفرحة التي غمرتك عند سماعك لتلك الكلمات
التي قيلت في الثناء عليك ومدحك، وذكرت لي أنك صرت بعدها أكثر نشاطا، وأنها جعلتك
تبذل جهودا مضاعفة فوق التي كنت تبذلها.
لكنك عدت فذكرت لي بأسف كيف أثرت
فيك كلمات من سميتهم أعداءك والحاقدين عليك، فجعلتك متوانيا كسولا غير قادر على
القيام بأي عمل.
وأظن أنك لو تأملت ـ أيها المريد
الصادق ـ في كلا الحالتين اللتين مرتا بك، علمت جواب سؤالك، فجوابه ليس في مطالبة
الموالين بالثناء والمدح، أو مطالبة المعادين بالكف عن الهجو والقدح، وإنما مطالبة
النفس بعدم الاستماع أو الاهتمام لكلا الطرفين.. المادح والقادح، والمثني والذام..
فعبوديتك لله، وحريتك، تستدعي التحرر منهما جميعا.
ذلك أنك مع كليهما لن تذوق طعم
الراحة، ولن تسكن بك الحياة.. فقلوب الذين أثنيت على وفائهم وصدقهم من الذين مدحوك
قد تتقلب، وترتد عليك، وتعود لتهجوك مثل الذين تعتبرهم أعداءك.
ولعلك ـ أيها المريد الصادق ـ
سمعت قصة المتنبي مع صديقه القديم سيف الدولة والذي كتب القصائد الكثيرة في مدحه،
لكنه لم يلبث إلا قليلا، حتى عاد لهجائه، ووصفه بالغَّدار، وهو أبشع الأوصاف
وأشنعها، فقد قال فيه مخاطبا كافور في فترة صداقته له:
حببتك قلبي قبل حبك من نأى
***
***
وقد كان غدارا فكن أنت وافيا
فإن دموع العين غدر بربها
***
***
إذا كن إثر الغادرين جواريا
ولكن بالفسطاط بحر أزرته
***
***
حياتي ونصحى والهوى والقوافيا
***
***
اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 143