اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 137
وفي حديث آخر قال a: (طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في
سبيل الله، أشعث رأسه مغبرّة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في
السّاقة كان في السّاقة، إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفّع) ([154])
فردد ـ أيها المريد الصادق ـ بينك
وبين نفسك هذه الأحاديث العظيمة، واستشعر ذلك الجزاء العظيم الذي يناله من ضحى
بجاه الدنيا، في سبيل ربه، ذلك الذي يكرمه الله بكل أنواع الكرامة، فيتقبل أعماله
ويقربه إليه، ويحبه.
فأيهما أفضل لك، هل ذلك الجاه
الذي تملك به بعض قلوب البشر، ولوقت محدود، أم ذلك الجاه الذي تناله عند ربك،
ملائكته وعباده الصالحين، كما قال تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى الله
عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ
وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: 105]
واعلم ـ أيها المريد الصادق ـ أن
من سنن الله تعالى في الجزاء والعقوبة أنه يعاقب كل شخص أعرض عنه إلى غيره، بذلك
الغير.. فمن آثر المال على الله عاقبه بماله، كما قال تعالى: ﴿فَلَا
تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنمَا يُرِيدُ الله لِيُعَذِّبَهُمْ
بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾
[التوبة: 55]
ومن آثر أهله وأولاده على مرضاة
ربه، عوقب بنفورهم منه أحوج ما يكون إليهم، كما قال تعالى: ﴿ يَوْمَ
يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ
وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾
[عبس: 34 - 37]
وهكذا، فإن من أرضى الناس بسخط
الله ابتغاء للجاه عندهم، يعاقَب بأن تحول القلوب عنه، فيتحول حبها له بغضا،
وقربها منه بعدا، وصداقتها له عداوة، كما قال تعالى: