اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 123
ولذلك
كان من الأدوية العرفانية المهمة في العلاقة بالمال أن تعلم ـ أيها المريد الصادق
ـ أن زيادته أو نقصه لا علاقة لها بحقيقتك، ولا بدرجتك، كما يتوهم الغافلون الذين
يتصورون زيادة المال إكراما، ونقصه إهانة، كما قال الله تعالى: ﴿ فَأَمَّا
الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ
رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ
فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا﴾ [الفجر: 15 - 17]
ولهذا
ينهى الله تعالى عن النظر إلى الأغنياء باعتبارهم مكرمين، لأن ذلك يؤثر في علاقة
الإنسان بربه، ويجعله يشعر بنقص وقصور تجاههم يؤثر في همته وشخصيته تأثيرا بليغا
يحول بينها وبين مقتضيات السلوك.
ولذلك اعتبر
الله تعالى الموقف من المال والغنى من الفوارق المهمة بين أهل العلم والإيمان وغيرهم،
وقد ضرب المثل على ذلك بمن أثرت فيهم رؤيتهم لقارون وكنوزه وزينته، فراحوا يقولون
بحسرة وألم: ﴿ يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنهُ لَذُو
حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [القصص: 79]، بينما قال ﴿الَّذِينَ أُوتُوا
الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ الله خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا
يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ﴾ [القصص: 80]
فأهل
العلم الصالحون نظروا إلى أموال قارون باعتبارها أسئلة واختبارات سئل عنها، وكُلف
بالإجابة الصحيحة عليها، ولذلك حزنوا له، ولأخطائه في الإجابة، ولم يؤثر فيهم
غناه، ولم يصرفهم عن رضاهم عن ربهم، وفرحهم بما آتاهم من العلم والحكمة.
ولهذا كان لهذه المعرفة آثارها
النفسية الجميلة في حماية المؤمن من كثير من مثالب النفس الأمارة التي تجعله يحسد
أو يحقد أو يسخط أو ينزعج بسبب تلك الفروق التي تفصل بينه وبين أصحاب الثروات
والأموال، بل بعكس ذلك تجعله مشفقا عليهم، حزينا على تقصيرهم وتفريطهم.
اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 123