اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 108
الدنيا والنبوة:
بعد أن عرفت ـ أيها المريد الصادق
ـ حقيقة الدنيا، ومنزلتها من خلال كلمات ربك المقدسة، سأذكر لك بعض البيان النبوي
بشأنها.. وهو بيان يؤكد ما ذكره الله، ويبين مناهج تنفيذه، كما قال تعالى:﴿وَأَنْزَلْنَا
إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلناسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ
يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: 44]
ولهذا استعمل
رسول الله a
لتقرير تلك الحقائق القرآنية الكثير من المناهج، ومنها ذلك المثل الذي ضربه
لأصحابه وأمته عندما مر على شاة ميتة، فقال: (أترون هذه
الشاة الميتة هينة على صاحبها؟ قالوا: نعم من هوانها ألقوها، فقال a:
(والّذي نفسي بيده، الدّنيا أهون على الله عزّ وجلّ من هذه على صاحبها، ولو كانت
الدّنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء)([96])
وهذا الحديث لا يحتقر الدنيا
بذاتها ـ كما قد يُتوهم ـ وإنما يبين ضآلة ما فيها من متاع مقارنة بالمتاع المعد
في الآخرة.. فمتاع الدنيا جميعا يشبه تلك الشاة الميتة، ولذلك كان التثاقل إليها،
أو الصراع من أجلها يشبه الصراع على من يملك تلك الشاة.
وبهذا فإن رسول الله a يضع صورة للدنيا في نفوس
المؤمنين تبعدهم عن التثاقل إليها، وهي صورة الشاة الميتة صاحبة الرائحة الكريهة،
أو صورة البعوضة أو جناحها، ليقول لهم: كيف لكم أن تضحوا بسعادة الأبد من أجل هذه
القاذورات التي يتهافت الخلق عليها؟
وفي حديث آخر يشبه رسول الله a الدنيا بالمزبلة التي تتراكم
فيها القاذورات، فقد روي أنه وقف على مزبلة، فقال: (هلمّوا إلى الدّنيا، وأخذ خرقا
قد بليت على تلك المزبلة