قلت:
أجل.. بل إن الله تعالى وبخ العتاة الغلاظ حين قارن قلوبهم بالجبال التي يرونها
قاسية، بينما هي أكثر لينا منهم، فقال: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا
الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ
اللَّهِ﴾ [الحشر: 21]
قال:
وهكذا أخبر عن تأثر الكون جميعا بتلك الشتائم التي يسب بها البشر ربهم من دون أن
يعوا ما يقولون.. لقد قال في ذلك: ﴿ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ
مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا
لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا﴾
[مريم: 90 - 92]
قلت:
أجل.. وقد ذكرني حديثك هذا بأحاديث كثيرة لرسول الله a أنستنيها الغفلة.. ومنها قوله a:(إن
الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء يوم القيامة) قيل: من هم يا
رسول الله؟ قال: (هم الذين إذا فسد الناس صلحوا)، ثم قال: (ألا لا غربة على مؤمن،
وما مات مؤمن في غربة غائبا عنه بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض) ثم قرأ رسول
الله a قوله تعالى:﴿
فَمَا
بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ﴾، ثم
قال:(ألا إنهما لا يبكيان على الكافر) [1]
قال:
إن هذا الحديث يبين لك ما ذكرته من كثرة أصدقاء المؤمن، حتى لو بدا غريبا بين
الخلق.. ذلك أن الكل معه.. الله وملائكته ورسله وجميع الصالحين.. بل جميع
الكائنات.. كلها معه.
قلت:
لقد جعلني حديثك هذا أعي جيدا سر ذكر الله تعالى لكلب أصحاب الكهف في كل مرة يذكرون
فيها.. بل إنه اعتبر أحدهم، حين ذكر ما قيل في عددهم، قال تعالى: ﴿
سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ
كَلْبُهُمْ رَجْمًا
[1] تفسير الطبري (25/75) ورواه ابن
أبي الدنيا في ذكر الموت كما في الدر المنثور (7/412) وهو مرسل..