قال:
لو قمت بذلك لكان ما فعلته فضيحة لا نصيحة.. فالنصيحة تحتاج إلى اختيار الزمان
والمكان المناسبين، وألا يكون فيها أي أذى للمنصوح.
قلت:
صدقت.. وقد ذكرني قولك هذا بما ذكره بعض الفقهاء عند ذكره لآداب النصيحة، فقد قال:
(من وعظ أخاه فيما بينه وبينه، فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما وبخه)[1]، وقال آخر: (المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعير)، وقال آخر: (وإذا
نصحت فانصح سراً لا جهراً، وبتعريض لا تصريح، إلا أن لا يفهم المنصوح تعريضك،
فلابد من التصريح)[2]
قال:
على هذا نص الكل.. ولا ينبغي للفقيه إلا أن ينص على هذا.. فالمؤمن هو الذي يراعي
مشاعر الآخرين، ويتسلل إلى قلوبهم بكل هدوء، وإن أراد نصحهم استعمل لذلك كل الحيل
المناسبة حتى يوصل لهم رسالته من غير أن يشعروا.
قلت:
لقد ذكرتني بحديثك هذا عن الإمامين الجليلين الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة،
فقد روي أنهما مرا على شيخ يتوضأ ولا يُحسن، فأخذا في التنازع يقول كل واحد منهما:
أنت لا تحسن الوضوء، فقالا: أيها الشيخ كن حكما بيننا، يتوضأ كل واحد منا، فتؤضآ،
ثم قالا: أيّنا يحسن الوضوء؟ قال: (كلاكما تحسنان الوضوء، ولكن هذا الشيخ الجاهل
هو الذي لم يكن يُحسن وقد تعلّم الآن منكما، وتاب على يديكما ببركتكما، وشفقتكما
على أمة جدكما)[3]