ما أنا إلا امرؤ من قومي، فقال رسول الله
a:(فاجمع لي قومك في هذه
الحظيرة)، فخرج سعد يصرخ فيهم حتى جمعهم في تلك الحظيرة، حتى إذا لم يبق أحد من
الانصار إلا اجتمع له، أتاه فقال يا رسول الله: قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار
حيث أمرتني أن جمعهم، فخرج رسول الله a فقال:(هل منكم أحد من غيركم؟) قالوا: لا يا رسول الله إلا
ابن أختنا، قال: (ابن أخت القوم منهم)، فقام رسول الله a خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه
بما هو أهله، ثم قال: (يا معشر الأنصار ألم آتكم ضلالا فهداكم الله تعالى وعالة
فاغناكم الله، وأعداء فألف بين قلوبكم، ومتفرقين فالفكم الله؟)، قالوا: بلى يا
رسول الله، الله ورسوله أمن وأفضل.
ثم قال رسول الله a:(ألا تجيبون يا معشر الأنصار؟)،
قالوا: وما نقول يا رسول الله؟ وماذا نجيبك؟ المن لله تعالى ولرسوله a، فقال رسول الله a:(والله لو شئتم لقلتم فصدقتم
وصدقتم، جئتنا طريدا فآويناك، وعائلا فآسيناك، وخائفا فأمناك، ومخذولا فنصرناك،
ومكذبا فصدقناك)، فقالوا: المن لله تعالى ورسوله، فقال: (وما حديث بلغني عنكم؟)،
فسكنوا، فقال: (ما حديث بلغني عنكم؟) فقال فقهاء الأنصار: أما رؤساؤنا فلم يقولوا
شيئا، وأما أناس منا حديثة أسنانهم قالوا يغفر الله تعالى لرسوله a يعطي قريشا ويتركنا، وسيوفنا
تقطر من دمائهم! فقال رسول الله a:(إن قريشا حديثو عهد بجاهلية ومصيبة، وإني أردت أن أجبرهم
وأتالفهم، أوجدتم يا معشر الانصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما
أسلموا، ووكلتكم إلى ما قسم الله تعالى لكم من الاسلام، أفلا ترضون يا معشر
الأنصار أن يذهب الناس إلى رحالهم بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله a إلى رحالكم تحوزونه إلى بيوتكم،
فو الله لمن تنقلبون به خير مما ينقلبون به، فو الذي نفسي بيده لو أن الناس سلكوا
شعبا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار.. أنتم الشعار والناس دثار.. الأنصار
كرشي وعيبتي، ولولا أنها الهجرة لكنت امرأ من الانصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء
الأنصار)، فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا بالله ورسوله حظا وقسما.