يلحظون إلا طيباً ولا يعمرون بما عندهم من خزائن رحمة الله إلا طيباً
طاهراً)
التفت الغزالي إلى تلاميذه، ثم قال: إذا وعيتم هذا، فاعلموا أن أول
شرط من شروط الحوار هو تصفية النفس بمياه التوبة والإنابة والتسليم لله.. فلا يمكن
أن تحاور من تحاوره إلا وأنت صاحب قلب نقي صاف سليم من كل درن.
قال أحد الطلبة: إن ذلك يقلل أهل الحوار.
قال الغزالي: ولكن الحوار لن يؤتي ثماره إلا بذلك.. فلا يمكن
للكدورات أن تثمر إلا الكدورات.
قال الطالب: لم ذلك؟
قال الغزالي: لقد ذكر جدي أبو حامد في (الإحياء) وفي جميع كتبه أن
أكبر الآفات التي تفسد المناظرات وأخطرها هي الآفات
النفسية، فهي السبب الأكبر في فشل الحوار وعدم إتيانه ثماره، بل إن ثماره تصبح
عكسية، تزيد الطين بلة.
وقد قام بتحليل نفسي رائع لنفسيات المتحاورين التي لم تتأدب بآداب
الشرع، فذكر الآفات النفسية الكثيرة التي تسببها المناظرات العلمية ـ والتي هي نوع
من أنواع الحوار ـ ويعتبرها منبع جميع الأخلاق المذمومة، بل يقيسها على كبائر
الفواحش الظاهرة، باعتبارها لا تختلف عنها، وقد قال في فصل عقده بعنوان (بيان آفات
المناظرة وما يتولد منها من مهلكات الأخلاق):(اعلم وتحقق أن المناظرة الموضوعة
لقصد الغلبة والإفحام وإظهار الفضل والشرف والتشدّق عند الناس، وقصد المباهاة
والمماراة واستمالة وجوه الناس هي منبع جميع الأخلاق المذمومة عند الله المحمودة
عند عدوّ الله إبليس)[1]
ويتفرع عن هذه الخصال خصال أخرى كثيرة، قال الغزالي:(ثم يتشعب من كل
واحدة