اسم الکتاب : النبي الإنسان المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 571
جمعوها المسيح.
وبحثت عَمَّن رَوَوا هذِهِ الأناجيل؛ فوجدت التاريخ يجهل ذلك كل
الجهل.. ويزداد المرء شكًّا إذا توصل إلَى حقيقية أخرى؛ وهي: أن الرجال الأربعة
المنسوبة إليهم هذِهِ الأناجيل الأربعة لا يمكن القطع يقينًا بأنهم هم الَّذِين
جمعوها في الواقع.. فإذا كان الأشخاص المنسوبة إليهم هذِهِ الأناجيل لا يطمئن
التاريخ إلَى صدورها عنهم؛ فكيف يطمئن إلَى صحتها؟
وزاد الطين بلَّة أني وجدت الجهل مطبقا باللغة الَّتِي كُتِبت
بها هذِهِ الأناجيل في الأصل، وفي أي زمان كُتِبَت! فقد اختلف مُفَسِّروا الأناجيل
اختلافًا شديدًا في تعيين زمان جمعها وتدوينها: فمِن قائل أنها كُتِبت سنة 60
للميلاد.. ومِن قائل أنها جمعت بعد ذلك التاريخ بكثير..
لقد نفضت يدي من كل هؤلاء بعد أن علمت أنه لا يوجد في التاريخ
ما يجلي سيرتهم ويرسم حياتهم لتصير منهاجا للبشرية تهتدي به.
نعم كنت أكن لهم كل الاحترام والتقدير.. ولم يكن يعتريني الشك
الذي اعترى أولئك الباحثين حول وجودهم.. ولكني كنت أقول لهم بكل تواضع: أعلم أنكم
عظماء.. وأنكم خيرة الله من خلقه.. ولكن اعذروني على أني لم أنتهج نهجكم.. فليس
ذلك احتقارا له ولا لكم.. وإنما لأنه ليس لدي من العلم بكم ما يمكنني من ذلك.
لقد قلت لهم ـ ولعلهم في غياهب الغيب قد سمعوني، وعذروني ـ: كيف
يمكن اتخاذ الأسوة الكاملة الَّتِي تطمئن لها القلوب إن لم تكن جميع نواحي الحياة
في الشخصية المُقتدَى بها معلومة، وليس فيها ما يجهله الناس، وما هو مكتوم عنهم
وراء حجب التاريخ.
إن المُقتدَى به والذي يَتخذ الناس مِن حياته أسوة لا بُدَّ أن
تكون حياته كلها واضحة صافية كالمرآة، ليلها كنهارها؛ لتتبين للناس المُثُل
العُليا الَّتِي يحتذونها في حياتهم بجميع أطوارها ومناحيها.
اسم الکتاب : النبي الإنسان المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 571