اسم الکتاب : النبي الإنسان المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 338
وهكذا في جميع مواعظه a.. كان يلقيها لمن حضر سواء كانوا من
وجهاء الناس، أو من بسطائهم.. كان يلقيها ببساطة ومن غير تكلف.. فلذلك كانت تؤتي
ثمارها اليانعة التي ما استفاد منها جيل محمد a فقط.. بل استفادت منها كل الأجيال، حدث بعض
الصحابة قال: (وعظنا رسول الله a
موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب..)[1]
نظر إلي، وقال: إياك أن تتوهم من كونها
بليغة كثرة محسناتها البديعية وسجعها وغريب ألفاظها.. إن بلاغتها تعني قدرتها على
التوصل إلى إفهام المعاني المقصودة، وإيصالها إلى قلوب السامعين بأحسن صورة من
الألفاظ الدالة عليها، وأفصحها وأحلاها للأسماع، وأوقعها في القلوب.
أما التكلف الممقوت فقد ورد النهي عنه، فقد
قال رسول الله a قال: (إن من أحبكم إليّ وأقربكم
مجلساً مني يوم القيامة: أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إليّ، وأبعدكم مني يوم
القيامة الثرثارون، والمتشدقون، والمتفيهقون)[2]
وفي موقف آخر قلت للإمام: أرى المستمعين
إلى أحاديثك مستغرقين تمام الاستغراق، وما أرى ذلك إلا لأساليب التشويق التي
تستعملها، فمن أي بحر من بحور البلاغة استفدت هذا؟
قال: من بحر رسول الله a.. فقد كان a يعلم أن النفس الإنسانية تكره الرتابة
وتنفر من المعلومة التي لا تسبقها المقدمات التي تهيئ لها.. ولهذا كان من هديه a التمهيد لتعليمه أو تربيته بما يشوق
القلوب لسماعه:
فهو أحياناً يطرح المسألة على أصحابه
متسائلاً: أتدرون ما الغيبة[3].. أتدرون من
[1] رواه أبو داود والترمذي وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح.