اسم الکتاب : النبي الإنسان المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 271
أفجّرها أم اتخذها سيفا مسلولا على أعناق
البشرية.
وهكذا دخل العلم في أحرج موقع عرفه في
التاريخ، وهكذا انحشرت المعرفة في المضيق الخانق بين السياسة والأخلاق، فما فعله
أنشتاين قد كان باسم فلسفة الردع، وكان ضربا من البحث عن التوازن الاستراتيجي، بل
كان تشريعا لمبدإ التسلح الوقائي تماما كما سبق لنوبل أن أسّس وشرّع.
لقد هزم الحلفاء ألمانيا النازية، وخيل
لأنشتاين أن زوال العلة يوجب زوال النتيجة طبقا لقوانين العقل الخالص، ولكن
للسياسة منطقها الآخر، فاليابان كانت جاهزة للاستسلام، والاتحاد السوفياتي ـ حليف
الولايات المتحدة ـ كان يتولى مفاوضة اليابانيين على حيثيات الاستسلام، ولكن
ترومان أمر بإلقاء القنبلة، وإذا بالعلم يجد نفسه في قفص الاتهام الأخلاقي، وتحل
بأنشتاين أزمة نفسية حادة من هول ما رأى ومن هول ما يستشرف به المآل.
وهذا صديقه (روبرت أوبنهيمر) الذي يتولى
إدارة مشروع تفجير الذرة يصاب بالهلع، لأن السياسة قد قررت إخراج مجمع الأبحاث من
يد السلطة الأكاديمية لجعله تحت إشراف المؤسسة العسكرية.
بعد هذا جرى بعض العلماء يَشون بأسرار
القنبلة إلى الروس، لأن كواليس السياسة قد همست بأن قنبلة هيروشيما وناجازاكي قد
كانتا لإرهاب الحليف السوفياتي وردعه أكثر مما كانتا لهزم اليابان.. وخاف هؤلاء أن
يفقد الكون توازنه، وأن يختل قانون التعادل الاستراتيجي فسرّبوا الأسرار، وانتصبت
محاكم التفتيش هنا وهناك، وكان من أشهر الذين حوكموا بتهمة التسريب وأقروا بها في
شموخ فلسفي رهيب العالم (جوليوس روزنبرج) في أمريكا و(كلاوس فوخس) في بريطانيا.
لقد أدان أنشتاين نقل الأسرار إلى الروس،
والحال أن الذين قدموها كانوا قد دافعوا عن أنفسهم بأنهم قدموها بدون مقايضة،
وإنما كانوا في ذلك مستجيبين لنداء الضمير الإنساني
اسم الکتاب : النبي الإنسان المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 271