قال: أجل.. رأيت رجلا هو نقيض الرجل
الأول..لم يكن ملتحيا، وكان يرتدي فوق ذلك بذلة عصرية.. ويمتطي سيارة فارهة.. وله
مكتب مكيف.
قلت: فكيف عرفت أنه وارث.. وليس فيه من
المظاهر ما يربطه بمحمد a؟
قال: لقد كان زعيما سياسيا، وكان يدعو إلى
تأسيس الحكومة التي يقودها محمد a.. فقلت لنفسي: لن يدعو أحد إلى حكومة محمد إلا إذا كان محمديا.
قلت: فكيف وجدته؟
قال: لقد كان ركون المسكين للدنيا،
واستغراقه فيها حجابا عظيما حال بينه وبين محمد a.. فراح يعمل عقله، وأهواءه،
ويصور بها محمدا a،
ودين محمد a.
قلت: فكيف انصرفت عنه؟
قال: لقد قدر له أن يفوز في بعض الانتخابات،
ولم يكن للمسكين من الترفع ما يجعله يزهد في تلك المكاسب المغرية التي كانت تلوح
له.. ولم يكن له من المعرفة بمحمد a ما يجعله يحتذي حذوه.. فلذلك راح بكل ما أوتي من نهم وجشع وحرص
يملأ نفسه وأهواءه بجميع أنواع الملذات..
وقد نسي المسكين في غمرة تلك اللذات التي
فتحت عليه القرآن الذي كان يحفظه، فلم يبق له منه غير قوله تعالى:﴿ وَلا
تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ (القصص: 77)، وقوله تعالى:﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ
الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ (لأعراف: 32)
ولم يبق له من السنة التي كان يحفظ أحاديثها
عن ظهر قلب إلا حديث واحد كان يردده في كل المجالس: (إن الله تعالى يحب أن يرى أثر
نعمته على عبده)[1]