اسم الکتاب : النبي الإنسان المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 172
قدم ابنه، وهو يحمل كتابا.. وراح يقرأ من
غير أن يلتفت إلينا: (قال بعض العارفين: من ادعى العبودية، وله مراد باق فهو كاذب
في دعواه، إنما تصح العبودية لمن أفنى مراداته وقام بمراد سيده، يكون اسمه ما يسمى
به، ونعته ما حلي به، إذا دعي باسمه أجاب عن العبودية، فلا اسم له ولا رسم ولا
يجيب إلا لمن يدعوه بعبودية سيده)[1]
قال ذلك، ثم انصرف كما فعل في المرة
الأولى، قلت: ما شأن الباقر.. ما باله يأتي، ثم سرعان ما يذهب..
ابتسم زين العابدين، وقال: لقد ذكرت لك
أنه مشغول بعوالم الكلمات التي يسمعها أو يقرؤها.. إنه ـ أحيانا ـ يوقظني ليلا
ليسمعني لطيفة من لطائف العلم، أو حقيقة من حقائق المعرفة.
قلت: بورك لك فيه.. ولا أرى إلا أن له
شأنا..
لم يلتفت زين العابدين لما ذكرت.. بل راح
يكمل حديثه، وكأنه لم يقاطع بشيء، قال: لقد فرق القرآن في أسلوبه بين العبودية
المطلقة عن شرط الرضا، وبين العبودية المقيدة به.. ولذلك لن يصعب عليك أن تدرك
الفرق بين العبوديتين.
قلت: فهل تحقق محمد بهذا الخضوع المطلق
لله؟
قال: ليس هناك في الدنيا من تحقق به مثل
محمد a.. لقد كان يمثل الخضوع المطلق
لله في أجلى تصوراته.. إنه لم يختر إلا ما اختار الله له، ولم يسلك في حياته إلا
السبل التي أمره الله بسلوكها..
لقد قضى محمد a حياته جنديا لله.. لا ينفذ إلا ما يأمره
الله به.. وهو في كل ذلك ممتلئ شوقا وفرحا وسرورا.. لا يصيبه ما يصيب الناس من
الكلل والملل، ولا يصيبه ما