في ذلك الصباح المبارك الذي سمعت فيه الحكاية التي سأقصها عليكم،
خطر لي خاطر ملأني نشوة وسعادة وسرورا..
لقد تذكرت أن هذه الأرض التي أسير عليها هي نفس الأرض التي سار
عليها رسول الله a.. وأن
هذه السماء التي أستظل بظلها، وألتحف غطاءها هي نفس السماء التي كانت تظلل رسول
الله a، وكانت
تغطيه بلحافها.. وأن هذه الشمس التي تغمرني أشعتها هي نفس الشمس التي غمرت بأشعتها
رسول الله a.
وقلت لنفسي: أبشري يا نفس، فلربما تنعمت
رئتاك بنفس الهواء الذي استنشقه رسول الله.. وربما تنعم جوفك بنفس الماء الذي
شربه.. ولربما ذقت نفس الطعام الذي ذاقه، أو وطئت قدماك نفس المواطئ التي وطئتها
قدماه الشريفتان.
لكن نفسي عادت لتتألم من جديد، وتقول لي،
وهي تعتتصر ألما: كف عن هذه الهمة الدنية.. فالمحب لا يرضيه من الحبيب إلا كل
الحبيب.. والحبيب الذي رضي من الحبيب بما ترضى لا يستحق أن يكون حبيه رسول الله..
فرسول الله a لا
يحبه إلا أصحاب الهمم العالية.
قلت لها: ومن أصحاب الهمم العالية؟
قالت: أولئك الذي لم يرتضوا لننفوسهم
وأرواحهم وأسرارهم اسما إلا اسم محمد.