اسم الکتاب : ثمار من شجرة النبوة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 476
عاشرا ـ حضارة
في اليوم العاشر من تلك الأيام
العشرة المباركة، التقيت المستشرق الذي قطفت على يده ثمرة الحضارة من شجرة
النبوة..
وهي الثمرة التي عرفت بها سر قوله تعالى على لسان هود ـ عليه
السلام ـ:﴿ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا
لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ
فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ﴾ (هود:61)
فقد عرفت من هذه الآية غاية جليلة من الغايات التي خلق من أجلها
الإنسان، وهي عمارة الأرض.. ولكن لا بالخراسانة المسلحة وحدها، بل بذكر الله
والتقرب إليه.
***
كان من الأسماء المارقة التي سجلت في الدفتر الذي سلمني إياه
المرشد اسم (كوستاف لوبون)[1].. وقد
كنت أعرفه، وأعرف تأثره الشديد بالحضارة الإسلامية، والذي ملأ به كتبه.. إلا أني
لم أكن أعرف سر ذلك إلى أن التقيته في ذلك اليوم المبارك.
عندما رأيته في البدء تصورته مجنونا قد فقد عقله.. ولم أكن وحدي
في ذلك التصور.. بل كان كل من كان معنا في ذلك المحل يحمل ذلك التصور.
في ضاحية من ضواحي باريس كانت تسكن غابة لم يفكر إنسي ولا جني
في قطع أشجارها.. فقد كانت الرئة التي تتنفس منها باريس.. وكانت القلب الذي يمدها
بدماء الحياة..
ولكنهم في ذلك اليوم أحضروا كل ما أمدتهم به هذه الحضارة من
وسائل التدمير ليقطعوا أشجار تلك الغابة.. بل يجتثوها من أصولها.. ليقيموا بدلها مصنعا
للكوكاكولا.
[1] هو كوستاف لوبون Dr. G. Lebon ولد عام 1841م، وهو طبيب، ومؤرخ فرنسي، عني بالحضارات الشرقية.
من آثاره: (حضارة العرب) (باريس 1884)، و(الحضارة المصرية)،
و(حضارة العرب في الأندلس)
اسم الکتاب : ثمار من شجرة النبوة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 476