اسم الکتاب : ثمار من شجرة النبوة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 457
مسؤولة عما أصاب الإنسانية من الانطواء والكآبة (وقد عزا الناقد
الرومانسى الألمانى شليجل الكآبة إلى الدين المسيحى الذى جعل الإنسان منفياً يشتاق
إلى وطنه البعيد)[1]
وانطلاقاً من ذلك وتمشياً مع التركيز على التعبير عن الذات جهد
أولئك فى أن يحولوا الشرق الصوفى المسيحى الذى كان يتجه إلى الله أو (يسوع) إلى حب
عذرى أو إباحى يعبر عنه فى أسلوب غنائى، ويتجه إلى الجمال الخارجى للمحبوب الذى
كان فى الغالب امرأة وأحياناً (الطبيعة)
قلت: فقد انحرفت الرومانسية بالفن إذن عن الغايات التي ذكرتها.
قال: أجل.. وذلك شيء طبيعي.. فقد انتشرت في
ذلك العصر عبودية إلهين مقدسين بدل أقانيم الكنيسة هما (الطبيعة والعقل).. الطبيعة
التي حلت محل (الله).. والعقل الذي حل محل (الوحى)
وقد وثق الهاربون من طغيان الكنيسة العلمى فى مقدرة العقل
وثوقاً أعمى، وكان لكشف كوبرنيكس وقانونين جاليلو ونيوتن ومبادئ بيكون وديكارت
العقلية أعظم الأثر فى تمجيد العقل بل عبادته، ولما كان جل همم إغاظة الكنيسة
والانتقام من عبوديتها فقد اشتطوا وغلوا فى ذلك إلى أبعد الحدود.
لكنهم ما كادوا يلتقطون أنفاسهم وتستقر أعصابهم من مطاردة
الكنيسة حتى بدأ بعضهم يبحث عما إذا كان إله (العقل) جديراً بما أعطى من قيمة
وتقديس أم لا؟
وكانت النتيجة مرة.. وهى أن العقل عاجز حقاً عن تفسير الطبيعة،
وإذ كان كذلك فهو أعجز عن تفسير النفس الإنسانية وفهمها.
واستطاعوا أن يكتشفوا طريقاً آخر أرحب من العقلانية بمنطقها
الجامد وقوالبها