responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : ثمار من شجرة النبوة المؤلف : أبو لحية، نور الدين    الجزء : 1  صفحة : 261

المسلمين ـ بمعناها الفلسفي ـ قمة الكفر.. والمتصوف الذي يدور في إطار توحيدي يعبِّر عن حبه الإلهي عن طريق فعل في التاريخ والدنيا يلتزم فيه بقيم الخير ويُعلي به من شأن القيم المطلقة المُرسَلة للإنسان من الإله ويصلح به حال الدنيا.

أما النمط الثاني من التصوف ـ وهو تصوف اليهود.. ومثله كثير من صوفية الأديان والمذاهب المختلفة، ولعل بعضه سرى لبعض طوائف المسلمين ـ فيدور في إطار حلولي يصدر عن الإيمان بالواحدية الكونية، حيث يحل الإله في الطبيعة والإنسان والتاريخ، ويتوحد معها ويصبح لا وجود له خارجها، فيُختزَل الواقع بأسره إلى مستوى واحد يخضع لقانون واحد.. ومن ثم، يستطيع من يعرف هذا القانون (الغنوصي) أن يتحكم في العالم بأسره.

فالتحكم في العالم وفي الأشياء هو هدف المتصوف في هذا الإطار... ولهذا تجده ـ بدلاً من التدريبات الصوفية التي يكبح بها الإنسان جسده ويطوع لها ذاته ـ يأخذ شكل التفسيرات الباطنية وصنع التمائم والتعاويذ والبحث عن الصيغ التي يمكن من خلالها التأثير في الإرادة الإلهية، ومن ثم التحكم الإمبريالي في الكون.

وحتى لو أخذ هذا التصوف شكل الزهد، فالهدف من الزهد ليس تطويع الذات، وإنما الوصول إلى الإله والالتصاق به والتوحد معه والفناء فيه، ليصبح المتصوف عارفاً بالأسرار الإلهية، ومن ثم يصبح هو نفسه إلهاً أو شبيهاً بالإله.

والمتصوف بهذا النمط لا يكترث إلا بذاته، ولذا فهو لا يتحرك في الزمان والمكان الإنسانيين، ولا يأتي بأفعال في التاريخ، ولا يهتم بإصلاح الدنيا، بل يضع نفسه فوق الخير والشر، وفوق كل القيم المعرفية والأخلاقية.

ألا ترى الفرق بينهما عظيما؟

قلت: أجل.. فالتجربة الصوفية التوحيدية تطويع للذات وطاعة للخالق وإصلاح للدنيا، وأما الثانية فهي تحقيق للذات وتطويع للخالق وبحث عن التحكم في الدنيا.

اسم الکتاب : ثمار من شجرة النبوة المؤلف : أبو لحية، نور الدين    الجزء : 1  صفحة : 261
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست