اسم الکتاب : ثمار من شجرة النبوة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 258
الإلهي هو الوجود الحقيقي الذي يستمد منه كل شيء وجوده. وهذه
الحقيقة هي الحقيقة الأولى التي يستمد منها كل شيء حقيقته. وليس وراءها حقيقة
ذاتية ولا وجود ذاتي لشيء في هذا الوجود)
لقد عبر القرآن ـ كذلك ـ عن هذا المعنى باسم الله (الأحد) في
قوله: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ (الاخلاص:1)، وهو اسم عظيم يحوي ـ مع التأمل ـ الكثير من الدلالات،
ولهذا لما خشي محمد أن لا يقدر حق قدره ـ كما قد لا تقدر المعاني الواردة في
السورة حق قدرها ـ ذكر أن هذه السورة ـ التي تحوي هذه الحقيقة الجليلة ـ والتي
نتوهمها صغيرة تعدل ثلث القرآن.
ولهذا كان بلال في رمضاء مكة في بداية الإسلام يصيح بها في
نشوة عظيمة، وقد فني عن كل العذاب المحيط به: (أحد أحد)
ولا غرابة في كل هذا ـ كما يقول سيد قطب ـ (فإن الأحدية التي
أمر رسول الله a أن
يعلنها: قل هو الله أحد. هذه الأحدية عقيدة للضمير، وتفسير للوجود، ومنهج للحياة)
ولهذا ـ خلاف ما قد نتصور ـ فإن غاية رسالة محمد لم تكن الدعوة
والتربية على معنى التوحيد الذي ينفي الشريك فقط، وإنما الدعوة والتربية على معنى
الأحدية الذي ينفي الوجود الذاتي لغير الله.. وعلى كليهما تقوم حياة المؤمن، ومن
كليهما يستمد العارف[1].
لقد شرح سيد قطب بتعبيره الجميل المعاني التي يعيشها العارف،
وهو في ظلال هذا الاسم الجليل، فقال: (إنها أحدية الوجود.. فليس هناك حقيقة إلا
حقيقته. وليس هناك وجود حقيقي إلا وجوده، وكل موجود آخر فإنما يستمد وجوده من ذلك
الوجود الحقيقي، ويستمد حقيقته من تلك الحقيقة الذاتية)
وهذه الحقيقة هي التي تتأسس عليها كل حقائق المعرفة والسلوك،
وهي النهاية التي
[1] انظر تفاصيل هذه المسألة
والموقف القرآني منها في رسالة (أكوان الله) من هذه السلسلة.
اسم الکتاب : ثمار من شجرة النبوة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 258