اسم الکتاب : ثمار من شجرة النبوة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 200
والفوضوية، والوجودية.. وكلها مذاهب، وكلها تفاسير.. وكلها لا
تزيد الإنسان إلا بعدا عن الإنسان.
الازدواج:
قلت: وعيت هذا.. وأدركت أهميته.. فأنبئني عما فهمته من ذلك النص
القرآني من موقف الإسلام من الإنسان.
قال: في ذلك النص يبين القرآن أركان الإنسان.. فهو قبضة من طين
الأرض، ونفخة من روح الله.. وهما مترابطان متماسكان متفاعلان، يتكون منهما معا
كيان موحد[1].
هذا الكيان ليس قبضة طين خالصة، كما كان قبل النفخة العلوية
فيه.. وليس روحا خالصة طليقة من قبضة الطين.. إنما هو الأمران معا فى وحدة مترابطة
تختلف فى خصائصها اختلافا جذريا عن قبضة الطين الخالصة، ونفخة الروح الخالصة، وإن
كانت تحمل بين الحين والحين بعض أوجه الشبه من هذه وتلك، حين تجنح جنوحا شديدا نحو
عالم الجسد أو عالم الروح، ولكنها حتى فى تلك الحالات لا تكون مماثلة أبدا لأي من
العنصرين منفصلين.
فالإنسان فى لحظة الشهوة الجامحة غير المنضبطة يكون أقرب إلى
قبضة الطين، لأنه يتعامل بجسده أكثر من أى جانب من جوانبه، ومع ذلك لا يكون أبدا
جسدا خالصا كالحيوان، لأن فيه ـ على الأقل ـ قدرا من الوعي والإرادة والاختيار حتى
فى هذا العمل اللاصق بالطين، بينما الحيوان لا يعمل بوعى ولا إرادة حرة ولا
اختيار.
وفى لحظة التوجه الروحي الراقي يكون أقرب إلى نفخة الروح، لأنه
ينطلق بروحه من إطار الحس المحدود، ومع ذلك لا يكون أبدا روحا خالصة كالملائكة،
لأن له جسدا لا يستطيع أن يتخلص من وجوده، وعقلا لا يكف تماما عن التفكير.