وتوزيع الأرزاق بين الناس ومثلها المواهب فضل من فضل الله يدعو
إلى التواضع والعبودية.. لا الكبر والبطر، ففي القرآن:﴿ نَحْنُ قَسَمْنَا
بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ
فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً ﴾(الزخرف:32)
وهذا التفضيل المؤقت.. أو المرتبط ببعض الجوانب لا يعني التفضيل
المطلق.. فالقرآن ينكر تلك التصورات التي تجعل الإنسان يقيس غيره بمقدار ما عنده
من ثروة:﴿ فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ
وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ
فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلاَّ بَل لا
تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17)﴾(الفجر)
ولهذا.. فإن النظرة الإسلامية للإنسان في غاية السمو والرفعة..
لأنها تستمد قوانينها وسننها من المنبع الذي جاء منه الإنسان.. لا من العقول التي
أوحت لها الشياطين بزخرف القول لتشغل الإنسان عن الإنسان.
فتلك العقول التي تدرس الإنسان بمعزل عن خالقه، وعن السنن
الربانية التي تحكم حياته، تتيه في المعيار الذي تقيس به تصرفاته، وتتيه في
المعيار الذي تقيس به إنجازاته..
وتتيه بحسب ذلك فيمن تعتبره مرتفعا راقيا، ومن الذي نعتبره
منتكسا هابطا.. أم الكل سواء.
وتتيه في التصرفات.. أيها تعتبره خيرا.. وأيها تعتبره شرا.. أم
لا خير ولا شر..
وتتيه في الإنجازات.. أيها تعتبره صالحا.. وأيها نعتبره فاسدا..
أم يستوي الأمران في الميزان.
من هنا تتخبط النظريات، وتتخبط التفاسير التي تحاول أن تفسر
السلوك البشري والحياة البشرية، ما بين مبدأ اللذة والألم، ومبدأ النفعية، ومبدأ
نسبية القيم؛ وما بين التفسير المادي للتاريخ، والتفسير اللبرالي ؛ وما بين الغاية
التي تبرر الوسيلة، واللاغائية، والعدمية،
اسم الکتاب : ثمار من شجرة النبوة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 199