اسم الکتاب : ثمار من شجرة النبوة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 195
نمو الفردية، أعني الرأي القائل بأن الإنسان ينبغي أن يفكر
بنفسه لنفسه، وهو رأي كان قد أهمل في عصر عبودية العقل)[1]
سأضرب لك نموذجا يوضح لك هذا.. يقول (جوليان هكسلي) في كتابه
(الإنسان في العالم الحديث): (إن
الإنسان قد خضع لله في الماضي بسبب عجزه وجهله، والآن ـ وقد تعلم وسيطر على البيئة
ـ فقد آن له أن يأخذ على عاتق نفسه ما كان يلقيه من قبل في عصر العجز والجهل على
عاتق الله، ومن ثم يصبح هو الله)
ويقول في نفس الكتاب: (إن أسطورة بروميثيوس[2] ما تزال كامنة في كيان الأوربي
الحديث توجهه على غير وعي منه، فالأوربي المعاصر هو بروميثيوس الحديث الذي يريد
أن يضع نفسه في مكان الإله، وكلما تعلم، وزادت سيطرته على البيئة، ارتفع في حس
نفسه درجة، وهبط الإله مقابل ذلك في حسه بنفس القدر، حتى إذا استطاع يوما أن يخلق
الحياة انتهى الإله من حسه تماما، وأصبح هو الله)
التفت إلي، وقال: أرأيت مبلغ الخطر الذي وصلت إليه العلوم
الإنسانية في عزلها الله عن خلق الإنسان..
[1] رايو برث، مبادئ الفلسفة،
ترجمة محمد أمين، طبع دار الكتاب العربي ببيروت، ص 119 – 120.
[2] (بروميثيوس) كائن أسطورى
كان الإله (زيوس) يستخدمة فى خلق الناس من الماء والطين، وقد أحس بالعطف نحو
البشر، فسرق لهم النار المقدسة من السماء وأعطاها لهم. فعاقبه (زيوس) على ذلك بأن
قيده بالسلاسل فى جبال القوقاز حيث وكل به نسر يرعى كبده طول النهار وتتجدد الكبد
فى أثناء الليل، ليتجدد عذابه فى النهار.
ولكى ينتقم (زيوس) من وجود
النار المقدسة بين أيدى البشر أرسل إليهم (باندورا) – أول كائن أنثى على وجه الأرض – ومعها صندوق يشتمل على
كافة أنواع الشرور ليدمر الجنس البشرى.. فلما تزوجها (إيبيميثيوس) – أخو (بروميثيوس) – وتقبل منها هدية (الإله!)
فتح الصندوق فانتثرت الشرور وملأت وجه الأرض.
وهذه الأسطورة ـ في الفكر
الغربي ـ ترمز إلى طبيعة العلاقة بين البشر والله، فالنار المقدسة، نار (المعرفة)
قد استولى عليها البشر سرقة واغتصاباً من الآلهة، ليعرفوا أسرار الكون والحياة،
ويصبحوا آلهة! والآلهة تنتقم منهم فى وحشية وعنف، لتنفرد وحدها بالقوة، وتتفرد
دونهم بالسلطان.. (انظر: منهج الفن الإسلامى، محمد قطب)
اسم الکتاب : ثمار من شجرة النبوة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 195