اسم الکتاب : سلام للعالمين المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 453
الحصر ليبرز جانب الألوهية في
أكمل صورة.. ألوهية الله بمعناها السلبي.
ومن ثم فإن فاعلية الإنسان
محصورة في الطاعة للأوامر الإلهية _ كما تعرضها الكنيسة بالحق أو الباطل _ لا
تتعداها إلى الإنشاء لأنه ليس للإنسان أن ينشئ شيئاً من عند نفسه.
ومن ثم كذلك كان ثبات الأوضاع
في أوروبا في العصور الوسطى لفترة طويلة من الزمان بكل ماتحمل من ألوان الفساد
السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفكري والروحي على أساس أنها قدر الله الذي لا
يجوز للناس تغييره إنما ينبغي الخضوع له والمحافظة عليه تقرباً إلى الله.
قال رجل منا: كيف تقول ذلك عن
الكنيسة، وهي لا تزال أزهد الناس في الرئاسة والسلطة، وهي لا تزال تروي كل حين قصة
المسيح التي رواها الملهم متى، فقال: (فَذَهَبَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَتَآمَرُوا
كَيْفَ يُوْقِعُونَهُ بِكَلِمَةٍ يَقُولُهَا. فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ بَعْضَ
تَلاَمِيذِهِمْ مَعَ أَعْضَاءِ حِزْبِ هِيرُودُسَ، يَقُولُونَ لَهُ: يَامُعَلِّمُ،
نَعْلَمُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَتُعَلِّمُ النَّاسَ طَرِيقَ اللهِ فِي الْحَقِّ، وَلاَ
تُبَالِي بِأَحَدٍ لأَنَّكَ لاَ تُرَاعِي مَقَامَاتِ النَّاسِ، فَقُلْ لَنَا
إِذَنْ مَا رَأْيُكَ؟ أَيَحِلُّ أَنْ تُدْفَعَ الْجِزْيَةُ لِلْقَيْصَرِ أَمْ لاَ؟
فَأَدْرَكَ يَسُوعُ مَكْرَهُمْ وَقَالَ: (أَيُّهَا الْمُرَاؤُونَ، لِمَاذَا
تُجَرِّبُونَنِي؟ أَرُونِي عُمْلَةَ الْجِزْيَةِ! فَقَدَّمُوا لَهُ دِينَاراً.
فَسَأَلَهُمْ: لِمَنْ هَذِهِ الصُّورَةُ وَهَذَا النَّقْشُ؟ أَجَابُوهُ:
لِلْقَيْصَرِ! فَقَالَ لَهُمْ: إِذَنْ، أَعْطُوا مَا لِلْقَيْصَرِ لِلْقَيْصَرِ،
وَمَا لِلهِ لِلهِ، فَتَرَكُوهُ وَمَضَوْا، مَدْهُوشِينَ مِمَّا سَمِعُوا)
(متى:14/15-21)
كما أن (بولس) كرر نفس ما
قاله السيد المسيح، فأمرهم بالخضوع لأية حكومة تبسط سلطانها عليهم، وألا يحاولوا
إثارة الفتن، لأن تسلط هذه الحكومات عليهم إنما هو بقَدَر من الله، ومن ثم لا
ينبغى التمرد على سلطانها، بل عليهم دفع الجزية والجبايات دون أى تذمر :
(لِتَخْضَعْ كلُّ نفس للسلاطين العالية، فإنه لا سلطان إلا من الله، والسلاطين
الكائنة إنما رتَّبها الله، فمن يقاوم السلطان فإنما يعاند ترتيب الله، والمعاندون
يجلبون دينونة على أنفسهم، لأن خوف الرؤساء ليس على العمل الصالح بل على الشرير،
أفتبتغى ألا تخاف من السلطان؟ افعل
اسم الکتاب : سلام للعالمين المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 453