انظر كيف نهى الله تعالى حتى
على مجرد أن يقال لهما أف، ولو علم الله شيئا أدنى من (أف) لنهى عنه.. ثم أمر بأن
يقال لهما القول الكريم: أي اللين اللطيف المشتمل على العطف والاستمالة وموافقة
مرادهما وميلهما ومطلوبهما ما أمكن سيما عند الكبر، لأن الكبير يصير كحال الطفل
لما يغلب عليه من الخرف، فيرى القبيح حسنا والحسن قبيحا، فإذا طلبت رعايته وغاية
التلطف به في هذه الحالة وأن يتقرب إليه بما يناسب عقله إلى أن يرضى.
ثم أمر - تعالى - بعد القول
الكريم بأن يخفض لهما جناح الذل من القول بأن لا يكلمهما إلا مع الاستكانة والذل
والخضوع وإظهار ذلك لهما واحتمال ما يصدر منهما، ويريهما أنه في غاية التقصير في
حقهما وبرهما، وأنه من أجل ذلك ذليل حقير، ولا يزال على نحو ذلك إلى أن يثلج
خاطرهما، ويبرد قلبهما عليه، فينعطفا عليه بالرضا والدعاء[1].
وقد ضرب الله تعالى نموذجا للبر
بإبراهيم ـ عليه السلام ـ فقد ذكر القرآن الكريم خطابه لأبيه بلطف شفَّافٍ،
وإشفاقٍ بالغ، وحرص أكيد؛ رغبة في هدايته ونجاته، وخوفاً من غوايته وهلاكه.. يقول
الله تعالى :﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ
صِدِّيقاً نَبِيّاً (41) إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا
يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ
جَاءَنِي مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً
سَوِيّاً (43) يَا أَبَتِ لا تَعْبُدْ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ
لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ
مِنْ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً (44)﴾