اسم الکتاب : سلام للعالمين المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 287
ويتطور حسبها.. فمتى ما أحب
الإنسان شيئا تأثر به بقدر حبه له، ووجب عليه أن يعطي من ذاته تنازلاً له، فطبيعة
الحب تختلف عن المعرفة، لأنهما يمثلان جانبين مختلفين في النفس.
صحيح أن الإنسان لا يقدر على
تمييز ذلك في كل وقت، وصحيح أن ذلك بحاجة إلى أنواع من التجرد الموضوعي والنقد
الذاتي، كما أنه بحاجة إلى التفكر الممنهج. إلا أنه لدى ممارسة التمييز فترة طويلة
يسهل ذلك على النفس حتى يبدو العلم والحب بعيدين عن أحدهما، مميزين عن بعضهما..
قلت: فهلا ضربت لي مثالا يقرب
لي هذا؟
قال: سأضرب لك أمثلة عن افتراق
المعرفة عن الحب..
فمن أمثلة ذلك أن المعرفة تفترق
عن الحب في أننا نحب كثيرا من الأشياء ونعلم أنها غير موجودة فعلا.. إننا نحب
الخلود حتى أنه قد يطغى علينا هذا الحب فينسينا العلم بالموت، ونعمل كما أننا نعلم
بالخلود.. وأننا نحب السيطرة ونعمل في كثير من الحالات مدفوعين بهذا الحب، بل
زاعمين أننا نملك السيطرة فعلا، ولكن العلم الحقيقي يكشف لنا خلاف هذا الواقع.
وتفترق المعرفة عن الحب أيضا
حينما نحب أن تكون كل معارفنا صحيحة وكل عقائدنا موافقة للحق.. بيد أنا نواجه في
كثير من الأوقات حقائق تكرهنا على إعاة النظر في معارفنا وعقائدنا والاعتراف
بخطئها كليا أو جزئيا.
وتفترق المعرفة عن الحب، عندما
نحب أن تكون كل أمم الأرض تخدم مصالحنا الخاصة في حين نعلم أن طائفة كبيرة منها
تخالفها تماما!..
إن هذه الأمثلة توضح الفارق
الكبير بين الحب والمعرفة، إلا أنه رغم وجود هذا الفارق يواجه الفرد غموضا بالغا
في التمييز بينهما.. فمثلا حين يحب الإنسان ذاته يخادع نفسه عن نقائصها، ويحاول
ايجاد تبريرات لأخطائها ويريد أن يوقع مسؤولية ما تصدر عنها على
اسم الکتاب : سلام للعالمين المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 287