كافة الاتجاهات في السماء، وفي كل الأوقات دون أدني توقف أو تغير.
ولم يتمكن العلماء من تفسير تلك الإشارات الراديوية، المنتظمة، السوية
الخواص إلا بأنها بقية للإشعاع الذي نتج عن عملية الانفجار الكوني العظيم، وقد
قدرت درجة حرارة تلك البقية الإشعاعية بحوالي ثلاث درجات مطلقة.
وانطلاقا من تلك الملاحظات الفلكية والنظرية كان في اكتشاف الخلفية
الإشعاعية للكون دعم عظيم لنظرية الانفجار الكوني، وقضاء مبرم على نظرية ثبات
الكون واستقراره.
التفت إلي الفلكي، وقال: هل أقنعك هذا الدليل؟
قلت: هو دليل.. ولكن هذه مجرد ملاحظات فلكية ونظرية.. أريد دليلا ملموسا.
ابتسم الفلكي، وقال: أنت مثلي.. لا يقنعك إلا الملموس..
نعم هناك ما يمكن أن يسمى ملموسا.. في سنة 1989 م أرسلت وكالة الفضاء
الأمريكية ناسا(NASA) مركبة فضائية لدراسة الخلفية
الإشعاعية للكون من ارتفاع يبلغ ستمائة كيلو متر حول الأرض، وقد قاست تلك المركبة
درجة الخلفية الإشعاعية للكون وقدرتها بأقل قليلا من ثلاث درجات مطلقة.
وقد أثبتت هذه الدراسة تجانس مادة الكون وتساويها التام في الخواص قبل
الانفجار وبعده، أي من اللحظة الأولى لعملية الانفجار الكوني العظيم، وانتشار
الإشعاع في كل من المكان والزمان مع احتمال وجود أماكن تركزت فيها المادة الخفية
التي تعرف باسم المادة الداكنة بعد ذلك.
ومثل ذلك قامت تلك المركبة الفضائية بتصوير بقايا الدخان الكوني الناتج عن
عملية الانفجار العظيم على أطراف الجزء المدرك من الكون .. أي على بعد عشرة
مليارات من السنين الضوئية.. وأثبتت هذه الصور أنها حالة دخانية معتمة سادت الكون
قبل خلق السماوات والأرض.