قلت: فأنت ترى أن البشر قصروا في البحث عن أنفسهم وفي حقيقتهم؟
قال: أنا وألكسيس وكل العقلاء الذين صعدوا قمة كقمة هذا الجبل الذي نعتليه
يرون هذا.. نعم.. لقد بذل الجنس البشرى مجهوداً جباراً لكى يعرف نفسه، ولكن بالرغم
من أننا نملك كنزاً من الملاحظة التى كدسها العلماء والفلاسفة والشعراء وكبار
العلماء الروحانيين فى جميع الأزمان، فإننا استطعنا أن نفهم جوانب معينة فقط من
أنفسننا.
قلت: إن هناك من يزعم بأن معارفنا عميقة عن الإنسان.. فكيف تخالفه أنت في
هذا؟
قال: يمكن أن يقول هذا من يصف الأشياء بألوانها وأحجامها وأشكالها.. ولكن من
يريد أن يعرف حقائق الأشياء وأسرارها وأعماقها، فسيقول ما قال ألكسيس، وقال كل
العقلاء (إن جهلنا مطبق بالإنسان)
قلت: ولكن لماذا كان جهلنا مطبقاً بحقيقة الإنسان؟ هل كان ذلك لقصور الوسائل
العلمية فى فترة من الفترات؟ أم لظروف وقتية من ظروف حياتنا الإنسانية؟ ومن ثم
يكون هناك أمل كبير وفرص كثيرة لتكملة تلك الوسائل، وتغيير هذه الظروف، ثم الوصول
إلى معرفة الحقيقة الإنسانية كاملة واضحة محددة؟
أم أن هناك أسباباً ثابتة فى طبيعة الحقيقة الإنسانية من جهة، وفى طبيعة
تفكيرنا وعقولنا من جهة أخرى، هى التى تنشئ تعذر الوصول إلى هذه الحقيقة بمثل
الوضوح والدقة المعهودين فى عالم المادة؟
قال: كل ما ذكرته صحيح.. فقد يعزى جهلنا إلى طريقة حياة أجدادنا، وفى الوقت
ذاته إلى طبيعتنا المعقدة، وإلى تركيب عقلنا.
قلت: فأنت ترى أن سر التقدم البطىء فى معرفة الإنسان لنفسه إذا قورن بتفوقه
الرائع فى علوم الطبيعة والفلك والكيمياء والميكانيكا يعزى إلى عدم تفرغ أسلافنا
للبحث عن الإنسان، وإلى تعقد الموضوع، وإلى تركيب عقولنا.