على بعض، وهو مأخوذ من كور العمامة، وهو إدارتها} [1]
فها أنت ترى الرجل.. وقد مضى على كلامه هذا أكثر من ألف سنة، ومع ذلك يقول
بكروية الأرض، بل يستدل على كرويتها من القرآن الكريم، بل ينقل الإجماع على ذلك..
لم يقل ابن حزم وحده بهذا، بل صرح به كثير من علماء الإسلام، فهذا الغزالي
يقول في الكتاب الذي وضعه في الرد على الفلاسفة:(القسم الثاني: ما لا يصدم مذهبهم
فيه أصلاً من أصول الدين، وليس من ضرورة تصديق الأنبياء والرسل - صلوات الله عليهم
- منازعتهم فيه، كقولهم: إن الكسوف القمري عبارة عن انمحاء ضوئه بتوسط الأرض بينه
وبين الشمس، من حيث أنه يقتبس نوره من الشمس، والأرض كرة، والسماء محيط بها من
الجوانب، فإذا وقع القمر في ظل الأرض، انقطع عنه نور الشمس ؛ وكقولهم: إن كسوف
الشمس معناه وقوف جرم القمر بين الناظر وبين الشمس، وذلك عند اجتماعهما في
العقدتين على دقيقة واحدة.
وهذا الفن لسنا نخوض في إبطاله إذ لا يتعلق به غرض، ومن ظن أن المناظرة في
إبطال هذا من الدين، فقد جنى على الدين وضعف أمره، فأن هذه الأمور تقوم عليها
براهين هندسية حسابية، لا يبقى معها ريبة، فمن يطلع عليها، ويتحقق أدلتها، حتى
يخبر بسببها عن وقت الكسوف، وقدرهما، ومدة بقائهما إلى الانجلاء، إذا قيل له: إن
هذا على خلاف الشرع، لم يسترب فيه وإنما يستريب في الشرع، وضرر الشرع ممن ينصره لا
بطريقة، أكثر من ضرره ممن يطعن فيه بطريقه، وهو كما قيل: عدو عاقل خير من صديق
جاهل} [2]
فها أنت ترى الغزالي مع شدته على الفلاسفة يوافقهم في هذا.. ولا يرى أنه
يعارض نصوصا من القرآن الكريم لا من الصريح منها، ولا من غيره، ولو كان يخالفها
لعارضهم في
[1] الفصل في
الملل والأهواء والنحل 1/349 فما بعدها.