اسم الکتاب : الكلمات المقدسة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 490
التصویر الفنی:
قلت: وعيت مرادك من التعبير الفني،
وأشهد صادقا أن القرآن يحوي من جمال التعبير ما يسلب الألباب.. فما مرادك من
التصوير الفني؟
قال: هي ناحية أخرى من نواحي المتعة فيه.. إن القرآن لا
يصف لك الأحادث كما يصفها البلغاء، فتتيه بألفاظهم وجمال تعابيرهم عن الأحداث التي
يريدون وصفها لك.. بل إنه ينقل لك الأحداث لتراها بعينيك، وتسمعها بأذنيك، وتشمها
بأنفك.
إنه يختصر مسافات المكان والزمان لينقلك لترى الحقائق
بصورة مشاهد تعيشها، وتنفعل لها..
وهذا التصوير الجميل لم يكتمل إلا في القرآن.. فالقارئ فيه
لا يقرأ، وإنما يشاهد ويعيش ويتحقق.. ولذلك كان تأثير القرآن أعظم من كل تأثير.
إنني أقرأ في الكتاب المقدس قصة موسى.. وأرى الأحداث التي
مر بها، فلا تختلف قراءتي فيه عن قراءتي لأي كتاب في التاريخ.. بينما أرجع إلى
القرآن.. فأجد قصة موسى حية، تنبعث الحياة في كل جزء من أجزائها..
إنني أقرأ التواراة.. فلا أجد فيها مثل هذا النص الجميل:{ وَأَوْحَيْنَا إِلَى
أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ
وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ
الْمُرْسَلِينَ}(القصص:7)
إن هذا النص يصور أم موسى، وهي خائفة وجلة على ابنها،
فيأتيها الأمر الإلهي الحي بأن تلقيه في اليم، وبأن لا تخاف عليه ولا تحزن، بل
تستبشر لأن الله سيرده إليها، وسيجعله من المرسلين.
إنك في هذا الحادث الذي تكاد تبصره بعينيك لا ترى أم موسى
فقط.. بل ترى رحمة الله وفضله على عباده.. فالله لا يعبر في هذه الآية بصيغة
الغائب، وإنما يعبر بصيغة المتكلم الحاضر.
اسم الکتاب : الكلمات المقدسة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 490