اسم الکتاب : الكلمات المقدسة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 467
وقد حاز القرآن كل هذه الأمور في
منتهى كمالها، فلذلك لا ترى شيئاً من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه..
ولا ترى نظماً أحسن تأليفاً وأشد تلاؤماً وتشاكلاً من نظمه..
أما المعاني، فأنت تعرف المعاني السامية التي جاء القرآن
لتقريرها وتأكيدها وتربية النفوس عليها.. إنها المعاني التي تشهد لها العقول
بالتقدم في أبوابها، والترقي إلى أعلى درجات الفضل من نوعتها وصفاتها.
قلت: ولكن مثل هذا قد يوجد في كلام البلغاء؟
قال: يوجد مفرقا لا مجموعا.. ولهم العذر في ذلك.. لأن من
رام ذلك يجب أن يكون محيطا بجميع العربية وألفاظها ثم يحيط بجميع دلالاتها..
والبشر جميعا لا تدرك أفهامهم جميع معاني الأشياء المحمولة على تلك الألفاظ، ولا
تكمل معرفتهم لاستيفاء جميع وجوه النظوم التي بها يكون ائتلافها وارتباط بعضها
ببعض، فيتوصلوا باختيار الأفضل عن الأحسن من وجوهها، إلى أن يأتو بكلام مثله.
قلت: فأنت ترى أن القرآن إنما صار معجزاً، لأنه جاء بأفصح
الألفاظ في أحسن نظوم التأليف، مضمناً أصح المعاني.
قال: أجل.. ولا يمكننا ـ ولو طفنا على الأرض بهذه الشاحنة
ـ أن نستوفي ما يتطلبه هذا الإجمال من تفصيل، وهذه القواعد من أمثلة.
ولكني أكتفي بأن أذكر لك بأن الكتاب الذي يحتوي على كل هذه
المعاني السامية، من وصف لله، ودعاء إلى طاعته، وبيان منهاج عبادته، من تحليل
وتحريم، ومن وعط وتقويم، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وإرشاد إلى محاسن الأخلاق،
وزجر عن مساوئها، مودعاً أخبار القرون الماضية، وما نزل من مثلات الله بمن عصى
وعاند منهم، منبئاً عن الكوائن المستقبلة في الأعصار الباقية من الزمان، جامعاً في
ذلك بين الحجة والمحتج له، والدليل والمدلول عليه، ليكون ذلك أوكد للزوم ما دعا
إليه، وإنباء عن وجوب ما أمر به ونهى عنه.. كتاب يعجز جميع البشر.. بل تعجز جميع
اسم الکتاب : الكلمات المقدسة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 467